الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب [مما يقال في الاعتدال]

          ░126▒ باب قال في ((الفتح)): كذا للجميعِ بغير ترجمةٍ إلا الأصيلي فحذفه أيضاً، وعليه شرح ابن بطَّال ومن تبعه، والرَّاجح إثباته كما أن الرَّاجح حذف ((باب)) مما قبله؛ لأن الأحاديثَ فيه لا دَلالة لها على فضل: اللهمَّ ربنا لك الحمد، إلا بتكلُّف، فالأولى أن يكون بمنزلة الفصلِ من الباب قبله، وذلك أنه لما قال: باب ما يقولُ الإمام ومن خلفَه... إلخ، وذكر فيه: ((اللَّهمَّ ربنا ولك الحمدُ)) استطردَ إلى ذكر فضله بخصوصهِ، ثم فصل بباب لتكمل الترجمة الأولى، فأوردَ بقيَّة ما ثبتَ على شرطه مما يقال في الاعتدال كالقنوت وغيره، ووجَّه ابنُ المنير دخولَ بعضِ الأحاديث الثلاثة تحت ترجمةِ: فضل اللهمَّ ربنا لك الحمد، بما فيه تكلُّفٌ. انتهى
          وادَّعى العينيُّ أنه لا تكلُّف في دلالة الأحاديث المذكورة لفضل اللَّهمَّ... إلخ بما فيه تكلف لمن خلا عن الاعتسافِ مع أنها تفهم من كلام ((الفتح))، فعليك النَّظر في الكلامين.
          ثم قال في ((الفتح)): وقد ترجمَ له بعضهم بـ((باب القنوت))، ولم أره في شيءٍ من رواياتنا. انتهى.
          وأقولُ: لعلَّه أراد الكرمانيَّ التابع له البرماوي، نعم، ذكرا أنَّ في بعض النُّسخ: ((باب)) بلا ترجمة، أو أراد ابن رجب، فإنهما اقتصرا عليه، فإنَّ الأخير قال: ليس مقصُود البخاري بهذا الباب ذكر القنوت، فإنه أفرد له باباً في أواخر أبوابِ الوتر، وإنما مرادُه بتخريجِ هذين الحديثين في هذا الباب أن المصلِّي يشرعُ له بعد أن يقولَ: سمع الله لمن حمدَه، ربنا ولك الحمد أن يدعوَ، ولا يقتصرَ على التَّسميع والتَّحميد خاصَّة، لورود أحاديث عن النَّبي صلعم أنه كان يزيدُ في الثناء عليهما.
          قال: ولم يخرِّجها البُخاري؛ لأنها ليستْ على شرطهِ، وخرَّج مسلم كثيراً منها، وذكرها، ثم قال: واستحبَّ الشَّافعي وإسحاق قول هذه الأذكار بعد التَّسميع والتَّحميد في المكتوبة وغيرها، وهو ظاهرُ مذهب أحمد، ولم يستحبَّها الكوفيون في الفرضِ، بل في النَّفل، فمن تلك الأحاديث ما رواه مسلمٌ عن ابن عبَّاس: أن النَّبي صلعم كان إذا رفع رأسه من الركوعِ قال: ((اللَّهمَّ ربنا لك الحمدُ ملء السَّموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجد))، وزاد في رواية: ((اللَّهمَّ طهِّرني بالثلجِ والبرد والماء البارد، اللَّهمَّ طهِّرني من الذُّنوب والخطايا كما ينقَّى الثوبُ الأبيض من الوسخ)). انتهى ملخصاً.
          وأقول: ما ذكره عن الشَّافعي مقيَّد بالمنفرد، وبإمامِ قوم محصُورين رضوا بالتَّطويل، وإلا فليقتصِر منها على التَّسميع والتَّحميد، وقول ما في حديث رفاعة الآتي قريباً، / وزيادة: ((ملء السَّموات، وملء الأرض، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعدُ))، خلافاً لما في ((المجموع)) من أن الإمام يقتصرُ على قوله: ربنا لك الحمد، فاعرفه.