الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه

          ░58▒ (بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ) أي: المأمومُ، ولابن عساكر: <رجل> (عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ) ومثله خلفهُ، وسقطت: <عن> لغير الأصيلي، فـ((يسار)) منصوب على الظرفية أو بنزعِ الخافض (فَحَوَّلَهُ) بتشديد الواو؛ أي: نقله (الإِمَامُ إِلَى) وفي نسخة: <على>، وفي نسخة: <عن> (يَمِيْنِهِ) وهي بمعنى ((على)) كقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد:38].
          وجملة: (لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا) أي: الإمامُ والمأموم، جواب ((إذا))، وللأصيلي: <صلاته> بإفراد الضَّمير للرَّجل أو للإمامِ أو للمذكور فترجعُ للتثنية.
          أما عدمُ بطلان صَلاة الإمام فلقلَّة فعله، وكذا المأموم مع أنَّه لم يستمرَّ على اليسار حتى صلَّى ركعةً، وهذا عند الجميع، فإن استمرَّ المأمومُ في جانب اليسار مع خلوِّ يمين الإمام عن أحدٍ حتى ركعَ لم تبطلْ صلاتهُ عند الجمهور.
          وقال أحمدُ بالبطلان بالشَّرط المذكور، قال: لأنَّه لم يقر ابن عبَّاس على ذلك، بل حوَّله إلى اليمين، وعنه: روايةٌ كالجمهور.
          قال في ((الفتح)): بل قال سعيد بن المسيَّب: إن موقفَ المأموم الواحدِ يكون عن يسار الإمام، ولم يتابع على ذلك، انتهى.
          وقال ابنُ رجبٍ: يقوم الواحد عن يمين الإمام ولو صبيًّا لم يبلغ الحلمَ وهذا كالإجماعِ من أهلِ العلم، وحكاهُ ابنُ المنذر عن الأكثر، ثمَّ قال: وفيه قولانِ آخران:
          أحدهما: عن ابن المسيب: أنَّه يقومُ عن يساره.
          والآخر: عن النَّخعي: أنَّه يقومُ خلفه إلى أن يركع الإمام، فإن جاء أحدٌ وإلا قام عن يمينه، لما رويَ في حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم أقامه عن يساره بعد أن كان على يمينه، وروي أنَّه قام خلفه، وكلاهما لا يصحُّ، قال مسلمٌ في كتاب ((التمييز)): هذا غلطٌ غير محفوظٍ لتتابع الأخبار الصَّحيحة على أنَّ ابن عبَّاس إنما قام على يسار النَّبيِّ صلعم فحوَّله إلى يمينه لا بالعكس، انتهى ملخصاً.