الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة

          ░14▒ (باب: كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ) بتنوين ((بابٌ)) على ما في الفرع وأصله، لكن قال في ((الفتح)): هو في روايتنا بلا تنوين.
          واعترضه العينيُّ بما لا يليقُ من ذلك اعتراضه على قولهِ: ولعلَّه أشار بذلكَ إلى ما روي عن جابرٍ إلى آخر ما يأتِي قريباً عن ((الفتح)) فإنَّ الذي أشار به التَّرجمة، وذلك الحديثُ الضَّعيف هنا مناسبٌ لها، وهذه عادة البخاري الغالبة أنَّه يشير بلفظِ التَّرجمة إلى حديثٍ ليس على شرطهِ، وإن لم يكن صَحيحاً، حتَّى يكونَ كالجامِع بين حديثينِ مثلاً، فلم يهملْ ذلكَ الحديث الذي ليسَ على شرطهِ بالكليَّة، بل جعله ترجمة.
          وأمَّا حديث البابِ فلا بدَّ من مطابقتهِ للتَّرجمة، ولو بوجهٍ خفيٍّ، وأيُّ عجبٍ في ذلك.
          وأمَّا اعتراضه الأوَّل فإن قوله: في روايتنا، لا يعين أنه لا يجوز غيره، فافهم وأنصف، وكم استفهامية ومميزهَا محذوف نحو ساعة أو صلاة.
          قال في ((الفتح)): ولعلَّه أشارَ بذلك إلى ما رُوِيَ عن جابرٍ: أن النَّبيَّ صلعم قال لبلالٍ: ((اجعلْ بين أذانِكَ وإقامتِكَ قدرَ ما يفرغُ الآكل من أكلهِ، والشَّاربُ من شربهِ، والمعتصرُ إذا دخلَ لقضاءِ حاجتهِ)) رواه التِّرمذي والحاكِمُ، لكن بسندٍ ضعيفٍ، وله شاهدٌ من حديثِ أبي هُريرة، ومن حديثِ سلمان أخرجهمَا أبو الشَّيخ، ومن حديثِ أُبيِّ بن كعبٍ أخرجه عبدُ الله بن أحمد في ((زياداتِ المسند)) وكلُّها واهية، وكأنَّه أشار إلى أنَّ التَّقدير بذلكَ لم يثبتْ.
          وقال ابنُ بطَّال: لا حدَّ لذلك / غير تمكُّن دخولِ الوقتِ، واجتماع المصلِّين.
          ولم يختلف العلماءُ في التَّطوع بين الأذانِ والإقامةِ إلَّا في المغربِ، كما سيأتِي.
          وقال الطَّحاوي: يفصِلُ بينهمَا مقدارَ ركعتينِ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ نحو عشر آياتٍ، وهذا كلُّه في غير صلاةِ المغربِ عند أبي حنيفةَ لما رواهُ البيهقيُّ والدَّارقطني عن بريدةَ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: ((إنَّ عند كلِّ أذانينِ ركعتينِ إلَّا المغرب)).
          وقوله: (وَمَنْ يَنْتَظِرُ) وفي بعض النُّسخ: <انتظر>(الإِقَامَةَ) يوجد في كثيرٍ من النُّسخ، ونسبَت للكشميهني، لكن صوَّب ابنُ حجر حذفها؛ لكونهَا لفظ ترجمةٍ تلي هذهِ، ومن ثمَّ ضربَ عليها في فرعِ ((اليونينية))، ولو حذف التَّرجمة الآتية، وجعلَ حديثها في هذه التَّرجمة؛ لاشتمالهَا على الشَّيئين لكانَ أخصر.