الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول الرجل فاتتنا الصلاة

          ░20▒ (باب: قَوْلِ الرَّجُلِ: فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ) أي: هل يكره أم لا، ويجوزُ أن يقدَّر باب جواز قولِ الرَّجل: فاتتنا الصَّلاة، وإن اقتصرَ الشُّراح على الأوَّل، فافهم.
          (وَكَرِهَ) بتخفيف الراء وتشديدها (ابْنُ سِيرِينَ) هو: محمَّد (أَنْ يَقُولَ) أي: الرَّجل (فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ) وسقط لفظ: <الصَّلاة> لغير أبي ذرٍّ (وَلَكِنْ لِيَقُلْ) وسقط: <لكن> للأربعة (لَمْ نُدْرِكْ) أي: الصَّلاة، ففيه نسبة عدمِ الإدراك إليه بخلاف ((فاتتنا)) فالكراهةُ من جهةِ اللَّفظ، وهذا التَّعليق وصله ابنُ أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون بلفظ: ((كان محمَّد يكرَهُ أن يقول: فاتتنا الصَّلاة، ويقول: لم ندْرِك مع بنِي فلان)).
          (وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلعم أَصَحُّ) هذه الجملة من المبتدأ، والخبرُ من كلامِ المصنِّف ردًّا على ابن سيرين، وأراد بقولِ النَّبيِّ صلعم ما في آخر حديثِ / الباب من قوله: ((وما فاتَكُم فأتمُّوا)) فإنَّه أطلقَ الفوات على الصَّلاة.
          قال الشَّارحون: أصحُّ بمعنى صحيح بالنسبة إلى قولِ ابن سيرين، فإنَّه غير صحيح لمخالفتهِ للحديث.
          وأقول: لو أبقى أصح على التَّفضيل لم يمتنع؛ لأنَّ له وجهاً من جهة اللَّفظ لا أن الكراهةَ عنده شرعيَّة ولو سلم، فلعلَّ إطلاق الشارع صلعم ذلك لبيان الجوازِ، وأنَّ الكراهةَ تنزيهيَّة، كما ذكروا في نظيرِ ذلك، فتدبَّر.
          وممَّا يدلُّ للجواز أيضاً ما رواهُ أحمدُ عن أبي قتادة في قصَّة نومِهِم عن الصَّلاة: ((فقلتُ: يا رسولَ الله فاتتنا الصَّلاة))، ولم ينكرْ عليه النَّبي صلعم، وموقعُ هذه التَّرجمة وما بعدَهَا من أبوابِ الأذانِ والإقامة: أنَّ الإنسانَ عند إجابةِ المؤذِّن يحتملُ أن يدركَ الصَّلاة كلاًّ أو بعضاً، أو لا يدركُ شيئاً، فاحتيجَ إلى جوازِ إطلاقِ الفواتِ، وكيفيَّة الإتيانِ إلى الصَّلاة، وكيفيَّة العملِ عند فواتِ البعضِ ونحو ذلك، قاله في ((فتح الباري)).