الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المرأة وحدها تكون صفًا

          ░78▒ (بَابٌ) بتنوينه وتركه (المَرْأَةُ وَحْدَهَا) أي: منفردةً عن أخرى بخلافِ ما لو كان معها أخرى فإنهما تصُفَّان صفًّا ولا تنفردُ كالرجل مع الرجل ولو صبيًّا، ولو صلَّت وحدها حينئذٍ صحَّت صلاتها، خلافاً لأحمد؛ فإنَّها لا تصحُّ عنده على الأصحِّ، كما قاله ابن رجبٍ ومثلها الخُنثى المشكل.
          (تَكُونُ صَفَّاً) ولا تصفُّ مع الرِّجال، فوحدها: حال ويحتمل جعل ((وحدها)) خبراً مقدماً لـ((تكون وصفاً)) خبر بعد خبر أو حال، ويؤيِّدهُ ما في بعض النسخ من تأخيرهِ عن يكون، و((المرأة)) حينئذٍ يحتملُ أن يراد بها الجنس.
          واعترضَ الإسماعيليُّ الترجمة فقال: الواحدُ والواحدة لا تسمَّى صفًّا إن انفرد، وإن جازتْ صلاته منفرداً خلف الصَّفِّ، وأقلُّ ما يُسمَّى إذا جمع بين اثنين على طريقةٍ واحدةٍ.
          ونظرَ فيه ابن الملقِّن: بأنَّه قيل في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً} [النبأ:38] أنَّ الرُّوح وحده صفٌّ والملائكة صف.
          وأجاب الكرمانيُّ بجوابين، وتبعه في ((الفتح)) في أولهما، فقال: المرادُ: أنَّها لا تقف في صفِّ الرِّجال بل وحدها، وتكون في حكم صفٍّ، أو أن جنسِ المرأة غير مختلطةٍ بالرِّجال تكون صفًّا، انتهى.
          وأقول: الرُّوح الذي يصفُّ وحده، قيل: المرادُ به: جبريل، وقيل: ملكٌ موكَّلٌ على الأرواح، وقيل: أعظم خلقاً من الملائكة لا ينزل ملكٌ إلا ومعه الرُّوح.
          وذكر البغويُّ في معناه أقوالاً، منها: عن مجاهدٍ وقتادة: أنَّه خُلِق على صورِ بني آدم، انتهى.
          وعليه: فهم صفٌّ حقيقة، فلا تصلحُ الآية ردًّا على الإسماعيليِّ، فتدبَّر.
          وذكر السُّيوطي في ((الحبائك)) فيه أقوالاً، منها: عن مجاهدٍ أيضاً: أنَّ الرُّوح ملائكةٌ يأكلون، ولهم أيدٍ وأرجلٌ ورؤوس، وليسوا ملائكةً، وفيه: وأخرج ابن أبي حاتمٍ، وأبو الشَّيخ عن عبد الله بن بريدة أنَّه قال: ما يبلغ الجن والإنسُ والملائكة والشَّياطين عُشْر الرُّوح، انتهى.
          وقال في ((القاموس)): الرُّوحُ _بالضم_ ملكٌ وجهه كوجهِ الإنسان وجسدهُ كالملائكة، انتهى.
          قيل: أشارَ بهذه التَّرجمة إلى صحَّة صلاة المنفردِ؛ لأنَّ أم سليمٍ صحَّت صلاتها وحدها، فالرَّجلُ أولى.
          وهذه التَّرجمة لفظ حديثٍ أخرجه ابن عبد البرِّ عن عائشة مرفوعاً بلفظ: ((المرأةُ وحدَهَا صفٌّ)) قاله في ((فتح الباري)) ثمَّ قال فيه: قال ابنُ رشيدٍ: الأقربُ: أنَّ البخاري قصد بهذه التَّرجمة أن يبيِّن أن / المرأة مستثناةٌ من عموم الحديثِ الذي فيه: ((لا صلاةَ لمنفرِدٍ خلفَ الصَّفِّ)) انتهى. على أنَّ الحديث المذكورَ في صحَّته نظرٌ، وإن أخرجهُ ابن حبَّان من حديث عليِّ بن شيبان، كما سنذكرهُ في: باب: إذا ركعَ دون الصَّف.