الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: يكبر وهو ينهض من السجدتين

          ░144▒ (بَابٌ: يُكَبِّرُ) أي: المصلِّي، وجملة: (وَهْوَ يَنْهَضُ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ) أي: الرَّكعتين، ليطابقَ الحديث، حالٌ من فاعل ((يكبِّر))، فيفيدُ أن التَّكبيرَ يسنُّ من ابتداءِ القيامِ من التشهُّد الأوَّل إلى أوَّل قيام الرَّكعة الثَّالثة.
          وقال في ((فتح الباري)): ذهبَ أكثر العلماءِ إلى أنَّ المصلِّي يشرع في التَّكبير أو غيره عند ابتداءِ الخفض أو الرَّفع، إلَّا أنَّه اختلف على مالكٍ في القيامِ إلى الثَّالثة من التشهُّد الأوَّل، فروى في ((الموطَّأ)) عن أبي هريرةَ وابن عمر وغيرهما: أنَّهم كانوا يكبِّرون في حالِ قيامهِم، وروى ابنُ وهبٍ عنه: أنَّ التَّكبير بعد الاستواءِ أولى.
          وفي ((المدوَّنةِ)): لا يكبِّر حتَّى يستوي قائماً، ووجهه بعضُ أتباعه: بأنَّ تكبيرَ الافتتاحِ يقع بعد القيامِ، فينبغي أن يكونَ هذا مثله من حيث إنَّ الصَّلاة فرضت أولاً ركعتينِ، ثمَّ زيدت الرُّباعيَّة، فيكون افتتاحُ المزيدِ كافتتاحِ المزيد عليه، وكان ينبغِي لهذا الموجِّه أن يستحبَّ رفع اليدينِ حينئذٍ لتكمل المناسبةُ، ولا قائلَ به منهم. انتهى.
          وأمَّا عندنا: فيسنُّ رفعهما بعد القيامِ كابتداءِ الصَّلاة، ثمَّ قال في ((الفتح)): قال ابنُ المنيِّر: أجرى البخاريُّ التَّرجمة وآثرَ ابن الزُّبير مجرى التَّبيين / لحديثي البابِ؛ لأنَّهما ليسا صريحينِ في أنَّ ابتداءَ التَّكبير يكون مع أوَّل النُّهوضِ، وقال ابنُ رشيدٍ: في هذه التَّرجمة إشكالٌ؛ لأنَّه ترجم فيما مضَى: باب التَّكبيرِ إذا قامَ من السُّجود، وأوردَ فيه حديثَ ابن عبَّاسٍ وأبي هريرةَ، وفيهما التَّنصيصَ على أنَّه يكبِّر حالَ النُّهوض، وهو الذي اقتضتهُ هذه التَّرجمة، فكأنَّ ظاهرها التِّكرار، أو يحملُ قوله: ((من السَّجدتين)) على أنَّه أرادَ من الرَّكعتين، ثمَّ استبعده، ثمَّ رجَّح أنَّ المرادَ بهذه التَّرجمة: بيانُ أنَّ محلَّ التَّكبير حين ينهض من السَّجدةِ الثَّانية بأنَّه إذا قعد على الوترِ يكون تكبيرهُ في الرَّفع إلى القعودِ، ولا يؤخِّره إلى ما بعدَ القعودِ.
          ويوجَّه ذلك: بأنَّ الترجمتينِ السَّابقتينِ فيهما بيانُ الجلوس، ثمَّ بيانُ الاعتماد، وبيَّن في هذه محلَّ التَّكبير. انتهى ملخَّصاً.
          وقال في ((الفتح)): ويحتملُ أنَّ مراده بالسَّجدتين ما هو أعمُّ، فيشملُ ما قيلَ أوَّلاً وثانياً.
          (وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ) أي: عبد الله (يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ) بفتح النون وسكون الهاء؛ أي في أوَّل قيامهِ من السَّجدتين، وهذا التَّعليق وصله ابنُ أبي شيبةَ بسندٍ صحيحٍ.