الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب رفع الصوت بالنداء

          ░5▒ (باب: رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ) أي: طلب رفعه بالأذان للصَّلاة؛ لتقييدِه بها في الحديثِ، ويحتملُ العموم، فتأمَّل.
          قال ابنُ المنيِّر: لم ينصَّ على حُكم رفعِ الصَّوت؛ لأنَّه من صفةِ الأذان، وهو لم ينصَّ في أصل الأذان على حُكمهِ، وقد ترجم النَّسائي عليه بباب الثَّواب على رفعِ الصَّوت بالأذانِ.
          واعترضَه العينيُّ: بأن الرفع في الحقيقة صفة المؤذِّن لا صفة الأذانِ، ولا يحتاج إلى نصِّ الحكم ظاهراً، فتقديره: بابٌ في بيانِ ثواب رفع المؤذِّن صوته عند الأذانِ، كما ترجم عليه النَّسائي.
          وأقول: كما أنَّ رفع الصَّوت صفة المؤذِّن باعتبار أنَّه رافع له، كذلك هو صفةُ الأذان باعتبار أنه مرفوعٌ به، فتأمَّل.
          (وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) ممَّا وصله ابنُ أبي شيبة بلفظ: إنَّ مؤذناً أذَّن فطرَّبَ في أذانهِ، فقال له: عمر بن عبد العزيز (أَذِّنْ) أمرٌ (أَذَاناً) مفعول به (سَمْحاً) بفتح السين المهملة وسكون الميم؛ أي: سهلاً بلا نغمٍ وتطْريبٍ (وَإِلاَّ) هو كقوله:
فَطَلِّقْهَا فَلَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ                     وإِلَّا يَعْلُ مِفْرَقَكَ الحُسَامُ
          أي: وإن لم تؤذِّن أذاناً سمحاً (فَاعْتَزِلْنَا) أي: فلا تباشر الأذانَ، واجتنبنا.
          قال / في ((فتح الباري)): ولم أقف على اسمِ هذا المؤذِّن، وأظنُّه من بني سعد القرظ؛ لأنَّ ذاك وقعَ حين كان عمر بن عبد العزيز أميراً على المدينةِ، والظَّاهر أنه خافَ عليهِ من التَّطريب الخروج عن الخشوعِ لا أنه نهاه عن رفع الصَّوت.
          وقد روي نحو هذا من حديثِ ابن عبَّاس مرفوعاً أخرجه الدَّارقطني، لكن فيه إسحاق بن أبي يحيى الكعْبي ضعيفٌ عند الدَّارقطني وابن عديِّ. وقال ابنُ حبَّان: لا تحلُّ الرِّواية عنه.
          ثمَّ غفلَ فذكره في الثِّقات، ولذا حكمَ عليه ابن الجوزي بالوضع، ولفظ الحديث المذكور عن ابن عبَّاس: أنه صلعم كان له مؤذِّن يطرب فقال له عليه الصَّلاة والسَّلام: ((المؤذِّن سهلٌ سمحٌ، فإن كان أذانك سهلاً سمحاً وإلَّا فلا تؤذِّن)).
          قال ابنُ رجب: وروي عن ابن عمرٍ أنَّه قال لمؤذِّن: إنِّي أبغضُك في الله، إنَّك تبغِي في أذانكَ، يشيرُ إلى أنه يتجاوزُ الحدَّ المشروع بتمطيطهِ والتَّطريب فيه.
          وقال الإمامُ أحمد: التَّطريبُ في الأذان محدَث؛ يعني: لم يكن على عهدِ النَّبي صلعم وقال إسحاق: هو بدعةٌ، وكرهَه مالك والشَّافعي وأبو حنيفة.
          واستشكل مطابقة هذا التَّعليق للتَّرجمة.
          وأجيب: بأن المصنِّف أراد أنه ليس كلُّ رفعٍ محموداً، بل إذا كان بهذهِ المثابةِ غير مطرَّبٍ أو غير عالٍ فظيعٍ.