الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع

          ░84▒ (بَابُ رَفْعِ اليَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ) أي: أراد المصلِّي التَّكبير، ليوافق ما مرَّ (وَإِذَا رَكَعَ) أي: كذلكَ (وَإِذَا / رَفَعَ) أي: رأسهُ من الرُّكوع.
          اعلم: أن البخاريَّ صنَّف في هذه المسألةِ كتاباً لطيفاً سماه: ((رفع اليدين في الصلاة))، وتقدَّم في الباب السابق، نقل شيءٍ من كلامه، ومنه: أن يرفعهما في الرُّكوع، والرفع منه رواه نيِّفٌ وثلاثون صحابيًّا، ومما لم يتقدَّم أنه حكى فيه عن الحسن، وحُميد بن هلال: أن الصَّحابة كانوا يفعلون ذلك، وقال: لم يستثنِ الحسنُ أحداً.
          وقال ابن عبد البرِّ: كل من روى عنه ترك الرَّفع في الركوع، والرفع منه، روي عنه فعلهُ إلَّا ابن مسعود.
          وقال محمد بن نصر المروزي: أجمع علماءُ الأمصار على مشروعيَّةِ ذلك، إلَّا أهل الكوفةِ، وقال أيضاً: لم يروِ أحدٌ عن مالك، ترك الرَّفع فيهما، إلا ابن القاسم والذي نأخذُ به الرفع.
          ونقل الخطابيُّ وتبعه القرطبي في ((المفهم)): أنَّه آخر قولي مالكٍ وأصحهما.
          وقال في ((الفتح)): ولم أر للمالكيَّة دليلاً على تركه، ولا متمسكاً إلا بقول ابن القاسمِ، وروى البخاريُّ في ((رفع اليدين))، عن نافعٍ: أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفعُ يديه إذا ركع، وإذا رفع رماهُ بالحَصى، وبه يعلمُ ما في استدلال الحنفيَّةِ بما في رواية مجاهدٍ عن ابن عمر: أنه صلى خلف ابن عمر فلم يرهُ يفعل ذلك، لكن أجيب: بالطَّعن في إسناده، وعلى تقدير صحَّته فسالمٌ، ونافع، وغيرهما مثبتون، والمثبت مقدَّمٌ على النافي، على أن الجمع بين الرِّوايتين ممكنٌ، وهو: أنه لم يكن يراهُ واجباً، ففعله مرَّةً وتركهُ أخرى، واحتجُّوا أيضاً بحديث ابن مسعودٍ الذي رواه أبو داود: ((أنه رأى النَّبيَّ صلعم يرفعُ يديه عند الافتتاح ثمَّ لا يعود))، وردَّهُ الشَّافعي بأنه لم يثبتْ، قال: ولو ثبت لكان المثبتُ مقدَّماً على النافي.
          وقال البخاريُّ في جزء ((رفع اليدين)) أيضاً: من زعم أنه بدعةٌ فقد طعنَ في الصحابة، فإنَّه لم يثبت عن أحدٍ منهم تركهُ، قال فيه: ولا أسانيد أصح من أسانيد الرَّفع، انتهى.
          قال في ((الفتح)): وذكر شيخُنا الحافظ أبو الفضل أنه تتبَّع من رواه من الصَّحابة، فبلغوا خمسين رجلاً.