الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود

          ░61▒ (بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ) أي: عدم تطويلهِ الوقوف للصَّلاة بتطويل القراءةِ فيه، لو اقتصر على التخفيف في القيام ربما يتوهَّم منه التَّخفيف في غيره، لا سيما والحديث عامٌّ، فدفعه بقوله: (وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) فقوله: ((وإتمامِ)) مجرور معطوف على ((تخفيف)) أي: باب طلب تخفيف الإمام في القيام، وطلب إتمام الركوع والسُّجود، أو منصوب على أنه مفعول معه، فكأنَّه قال: باب التخفيف بحيثُ لا يفوته شيءٌ من الواجبات، وكأنَّه حمل حديثَ الباب على قصَّةِ معاذٍ.
          وخصَّ التخفيف بالقيامِ في التَّرجمة دون الركوع والسُّجود، مع أنه عامٌّ في الحديث؛ لأنَّه مظنَّةُ التطويل وما عداهُ من الركوع والسُّجود لا يشقُّ إتمامه على أحدٍ، فهو تفسيرٌ لقوله في الحديث: ((فليتجوَّز)) لأنَّه لا يأمر بالتجوز المؤدِّي إلى فساد الصَّلاة، فهذان الوجهان حاصل كلام غالب الشُّرَّاح على الترجمة، ولا تكلُّف في الثاني الذي جرى عليه الكرماني، وإن ادَّعاه العينيُّ.
          وقال في ((الفتح)): والذي يظهرُ لي: أنَّ البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى ما وردَ في بعض طرقِ الحديث كعادته، وأمَّا قصَّةُ معاذٍ فمغايرةٌ لحديث الباب؛ لأنَّ قصة معاذٍ كانت العشاء، وكان الإمامُ فيها معاذاً، وكانت في مسجدِ بني سلمة، وهذه كانت الصُّبح، وفي مسجد قباء.
          ووهم من فسَّر الإمام المبهمَ هنا بمعاذٍ، بل هو أبيُّ بن كعبٍ، كما أخرجه أبو يعلى بسندٍ حسنٍ عن جابر قال: كان أبيُّ بن كعبٍ يصلِّي بأهل قباء فاستفتح سورةً طويلة فدخل معهم غلامٌ من الأنصار في الصلاة، فلما سمعهُ استفتحها انفتلَ من صلاته، فغضب أبيٌّ فأتى النَّبي صلعم يشكو الغلامَ، وأتى الغلام يشكو أُبيًّا، فغضب النَّبيُّ صلعم حتى عرف الغضبُ في وجهه، ثمَّ قال: ((إنَّ منكُم منفِّرين، فإذا صلَّيتم فأوجزوا، فإنَّ خلفكم الضَّعيفَ والكبيرَ والمريضَ وذا الحاجة))، فأبان هذا الحديث أنَّ المراد بقوله في حديث الباب: ((ممَّا يطيلُ بنا فلان)) أي: في القراءة، واستفيدَ منه تسميةُ الإمام وبأي موضعٍ كان.
          وفي قول ابن المنير: إن الرُّكوع والسُّجود لا يشق إتمامهما نظر؛ لأنَّه إن أراد أقلَّ الإتمام فذاك لا بدَّ منه، وإن أراد غايته فقد يشقُّ، فسيأتي حديثُ البراء قريباً: ((أنَّه صلعم كان قيامُهُ وركوعه وسجودُهُ قريباً من السَّواء)).
          وأقول: قوله: أشارَ إلى ما في بعضِ طُرق الحديثِ كعادتهِ هو ما رواهُ الطَّبراني من حديث عَدِي بن حاتم: من أمَّنا فليتمَّ الرُّكوع والسُّجود.