الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب القراءة في الظهر

          ░96▒ (بَابُ القِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ) أي: في صلاتها، أو سمَّى الصَّلاة باسم وقتها، ويجري الوجهان في بقيَّة الصَّلوات، فافهم.
          قال الكرمانيُّ: الظَّاهر أن المراد: قراءةُ غير الفاتحة.
          واعترضهُ العيني فقال: العجبُ منه كيف يقول ذلك؟ وأين الظَّاهر الذي يدلُّ على ما قاله؟ بل مراده: الرَّد على من لا يوجب القراءة في الظُّهر؛ لأن قوماً منهم ابن عليَّة، وسويد بن غَفلة، والحسن بن صالحٍ، ومالك في رواية، لا يوجبونَ قراءةً أصلاً في الظهر والعصر، انتهى.
          وأقول: وجهُ ما قاله الكرمانيُّ: أن البخاريَّ ذكر في الباب السَّابق أن القراءةَ _أي: للفاتحة_ واجبةٌ، وعلى هذا فيكون المرادُ هنا: غير الفاتحةِ ليكون هذا مؤسساً.
          وقال في ((الفتح)): هذه التَّرجمةُ كالتي بعدها يحتملُ أن المراد بهما: إثباتُ القراءةِ فيهما، وأنَّها تكون سرًّا، إشارةً للرَّدِّ على من خالف في ذلك كابن عبَّاس.
          أي: وغيره ممن مرَّ آنفاً، وسيأتي بعد ثمانية أبوابٍ البحثُ في ذلك.
          وقال أيضاً: يحتملُ أن يراد تقدير المقروءِ أو تعيينُهُ، والأوَّل أظهرُ لكونه لم يتعرَّض في البابين لإخراجِ شيءٍ مما يتعلَّق بالاحتمالِ الثاني، انتهى.
          وأقول: قد يقال: فيه إشارةٌ إلى ما يتعلَّق بالبابين إجمالاً؛ فإنه قال في البابِ الأول: كنت أصلِّي بهم صلاةَ رسولِ الله صلعم... إلخ، ومعلومٌ مقدار قراءةِ النَّبيِّ / صلعم في هاتين الصَّلاتين من الخارج، كما سنذكرهُ من حديث أبي سعيدٍ عند مسلمٍ: أن النَّبيَّ صلعم كان يقرأُ في الأوليين من الظُّهر قدر ثلاثين آيةٍ، وقال فيه أيضاً: ((يقرأ في الرَّكعتين الأوليين))، مع قوله: ((ويسمعُ الآية أحياناً)) أي: فيعلمُ أنَّها من سورةٍ معيَّنةٍ، وأنها مقدَّرةٌ بقدرٍ مخصُوصٍ، لا سيَّما وقد وصف الأولى بأنها أطولُ من الأخرى، فتدبَّر.