الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة

          ░18▒ (باب: الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ) بالإفراد، لكنَّه للجنس فيساوي رواية الكشميهني بالجمع فيُطابق.
          قال ابن المنيِّر: وفائدةُ التَّرجمة التَّنبيه على أنَّ واحداً من المسافِرين يكفِي دونَ بقيَّة الرفقةِ، لئلا يتخيَّل طلبه من جميعهم بدليل ما يأتي في التَّرجمة الثَّانية أنَّه قال للرَّفيقين: ((أذِّنا وأقيما)) فبيَّن بهذه التَّرجمة أن التعدُّد ليس بشرطٍ.
          (إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً) والمراد بهَا ما فوقَ الواحد (وَالإِقَامَةِ) عطفٌ على الأذان (وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ) بفتح فسكون في الثاني اسم مزدلفة، سمِّيت بذلك لاجتماعِ النَّاس فيها ليلةَ العيدِ؛ أي: فيطلب في هذينِ المكانين الأذان والإقامة للصَّلاة، وليسَ المراد هنا بعرفةَ اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة، وإن أطلقَ عليه لغةً ولم يذكر في عرفةَ وجمعٍ حديثاً، ولعلَّه لعدم وجودِهِ على شرطهِ، وفي عرفةَ قد وردَ حديث / جابر الطَّويل عند مسلم، وفيه: أنَّ بلالاً أذَّن وأقام لمَّا جمعَ النَّبي صلعم بين الظُّهر والعصر يوم عرفةَ.
          وأمَّا في جمعٍ فلعلَّه اكتفَى بما ذكره في الحجِّ من حديثِ ابن مسعودٍ، وفيه: أنَّه صلَّى كلًّا من المغرب والعشاءِ بأذانٍ وإقامةٍ، ثمَّ قال: رأيتُ رسولَ الله صلعم يفعله.
          (وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ) هو بالجرِّ عطفاً على الأذانِ أو الإقامة (الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ) جمع رحلٍ _بالحاء المهملة_ وهو منزلُ الشَّخص وموضِعُ أثاثه (فِي اللَّيْلَةِ) الجار والمجرور متعلِّق بقول: ((المؤذِّن)) (الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ) قال شيخُ الإسلام: وأو للتَّنويع لا للشك؛ أي: الماطرة لا الممطورِ فيها؛ لأنَّ فعيلة بمعنى: مفعولة؛ إذا ذكر الموصُوف لا تدخلهُ الفاء، بل يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث، فالإسنادُ مجازيٌّ، وللعلماءِ في نحو: أنبت الرَّبيع البقلَ، أربعة مذاهب: مجازٌ في الإسنادِ، مجازٌ في الفعلِ، مجازٌ في الفاعلِ، وسمَّاه السَّكاكي استعارة بالكناية المجموعِ مجاز عن المقصودِ.
          وقال الرَّازي: إنَّه المجاز العقليِّ، وتقدَّم في باب الإبراد حديث أبي ذرٍّ، وفيه أنَّ المؤذِّن بلال فأذَّن وأقام فبه يطابق هذه التَّرجمة.
          واعلم أنَّ صدرَ هذه التَّرجمة تغني عنهُ التَّرجمة السَّابقة لعمُومها، فتدبَّر.