إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير

          4513- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بفتح الموحَّدة وتشديد المعجمة، العبديُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) بن عبد المجيد الثَّقفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بن عمر العمريُّ (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ): أنَّه (أَتَاهُ رَجُلَانِ) قيل: هما العلاء بن عِرارٍ؛ بمهملاتٍ الأولى مكسورةٌ، وحِبَّان؛ بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحَّدة، صاحب الدَّثَنِيَّة: بفتح المهملة والمثلثة وكسر النُّون وتشديد التَّحتيَّة، أو نافع بن الأزرق (فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ) عبد الله حين حاصره الحجَّاج في آخر سنة ثلاثٍ وسبعين بمكَّة (فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا) بصادٍ مهملةٍ ونونٍ مفتوحتين، أي: صنعوا ما ترى من الاختلاف، ولغير الكُشْميهَنيِّ: ”ضُيِّعُوا“ بمعجمةٍ مضمومةٍ فتحتيَّةٍ مشدَّدةٍ(1) مكسورةٍ (وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صلعم ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي) المسلم (فَقَالَا) أي: الرَّجلان، ولأبي ذرٍّ: ”قالا“: (أَلَمْ يَقُلِ اللهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ فَقَالَ) ابن عمر: (قَاتَلْنَا) أي: على عهد رسول الله صلعم (حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ) أي: شِرْكٌ (وَكَانَ الدِّينُ(2) للهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا) أي: على المُلْك (حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللهِ).
          وحاصل هذا: أنَّ الرَّجلين(3) كانا يريان قتال من خالف الإمام، وابن عمر لا يرى القتال على الملك.
          4514- 4515- (وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ) السَّهميُّ المصريُّ أحد شيوخ المؤلِّف، على رواية محمَّد بن بشَّار (عَنِ ابْنِ وَهْبٍ) عبد الله المصريِّ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (فُلَانٌ) قيل: هو عبد الله بن لَهِيْعَة؛ بفتح اللَّام وكسر الهاء وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة عينٌ مهملةٌ، قاضي مصر وعالمها، ضعَّفه‼ غير واحدٍ (وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) بفتح الحاء المهملة وسكون التَّحتيَّة وفتح الواو، و«شُرَيْح» بالشِّين المعجمة المضمومة وفتح الرَّاء، المصريُّ، وهو الأكبر، وليس هو الحضرميَّ (عَنْ بَكْرِ ابْنِ عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ) بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء (أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) بضمِّ الموحَّدة وفتح الكاف مصغَّرًا، ابن الأشجِّ (حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ) له: (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا، وَتَتْرُكَ الجِهَادَ) أي: القتال الذي هو كالجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ ╡) في الثَّواب (وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللهُ فِيهِ؟) ثبتت واو «وقد» لأبي ذرٍّ (قَالَ) أي: ابن عمر للرَّجل: (يَا ابْنَ أَخِي: بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؛ إِيمَانٍ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَوَاتِ(4) الخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، قَالَ) أي: الرَّجل: (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا) بالتَّخفيف (تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}) باغين بعضهم على بعضٍ، والجمع باعتبار المعنى؛ لأنَّ كلَّ طائفةٍ جمعٌ ({فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}) بالنُّصح والدُّعاء إلى حكم الله ({فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا}) / أي: تعدَّت ({عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ}) أي: ترجع ({إِلَى أَمْرِ اللهِ}[الحجرات:9]) وتسمع للحقِّ وتطيعه، وسقط لغير أبي ذرٍّ قوله «{فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} إلى آخر قوله: {حَتَّى تَفِيءَ}» ({وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}[البقرة:193]) شِرْكٌ (قَالَ) ابن عمر: (فَعَلْنَا) ذلك (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم وَكَانَ الإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ) مبنيٌّ(5) للمفعول (إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا(6) يُعَذِّبُوهُ) بلفظ الماضي في الأوَّل والمضارع في الثَّاني؛ إشارةً إلى استمرار التَّعذيب بخلاف القتل، وفي الفرع: ”أو يُعذِّبوه“ ولأبي ذرٍّ: ”وإمَّا يعذِّبونه“ بإثبات النُّون؛ وهو الصَّواب؛ لأنَّ «إمَّا» التي تجزم هي الشَّرطيَّة، وليست هنا شرطيَّةً، ووُجِّهت الأولى بأنَّ النُّون قد تُحذَف(7) لغير ناصبٍ ولا جازمٍ في لغةٍ شهيرةٍ (حَتَّى كَثُرَ الإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ).
          (قَالَ) له(8) الرَّجل: (فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟) وهذا يشير إلى أنَّ السَّائل كان من الخوارج، فإنَّهم يوالون الشَّيخين ويُخطِّئون عثمان وعليًّا، فردّ عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النَّبيِّ صلعم حيث (قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ) ╩ (فَكَانَ اللهُ عَفَا عَنْهُ) لمَّا فرَّ يوم أُحدٍ في كتابه العزيز؛ حيث قال في آل عمران: {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ}[آل عمران:152] والجلالة: رفعٌ اسم «كان»، وخبرها «عفا»(9)، ويجوز نصبها اسم «كأَنَّ» التَّشبيه، أخت «أنَّ» (وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ) بمثنَّاةٍ فوقيَّةٍ مع سكون(10) الواو، خطابًا للجماعة، ولأبي ذرٍّ: ”يعفوَ“ بالتَّحتيَّة وفتح الواو، أي: فكرهتم أن يعفو الله تعالى عنه (وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلعم وَخَتَنُهُ) بفتح الخاء المعجمة والمثنَّاة الفوقيَّة، أي: زوج ابنته (وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا‼ بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ) أي: بين أبيات رسول الله صلعم ، يريد بيان قربه وقرابته منه صلعم منزلًا ومنزلةً.


[1] «مشدَّدةٍ»: ليس في (د).
[2] زيد في (د) و(م): «كلُّه».
[3] في (ج) و(ل): «أنَّ الرَّجلان».
[4] في (د): «الصَّلاة»، وكذا في «اليونينيَّة».
[5] في (د): «مبنيًّا».
[6] في (د): «وإلَّا».
[7] في (ص): «حُذِفت».
[8] «له»: مثبتٌ من (د).
[9] «وخبرها: عفا»: سقط من (د).
[10] في (د): «إسكان».