شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن

          ░115▒ باب: ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ
          فيه: عَائِشَةُ: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذي الْقَعْدَةِ، وَلا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللهِ عَنْ أَزْوَاجِهِ). [خ¦1709]
          قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ على وَجْهِهِ.
          وهذا الذَّبح إنَّما كان هدي التَّمتُّع، نحره رسول الله عمَّن تمتَّع من أزواجه، وأخذ جماعة من العلماء بظاهر هذا الحديث، وأجازوا الاشتراك في هدي التَّمتُّع والقران على ما تقدَّم في حديث أبي جمرة عن ابن عبَّاس، [خ¦1688] ومنع مالك ذلك، ولا حجَّة لمن خالف مالكًا في هذا الحديث؛ لأنَّ قوله: ((نَحرَ رسولُ اللهِ عن أزواجِهِ البقرَ)) يحتمل أن يكون نحر عن كلِّ واحدة منهنَّ بقرة، وهذا غير مدفوع من التَّأويل.
          فإن قيل: إنَّما نحر البقر عنهنَّ على حسب ما أتى عنه في الحديبية: ((أنَّه نحر البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة)) قيل: هذه دعوى لا دليل عليها؛ لأنَّ نحره في الحديبية كان عندنا تطوُّعًا، والاشتراك في هدي التَّطوُّع جائز على رواية ابن عبد الحكم عن مالك، والهدي في حديث عائشة واجب، ولا يجوز الاشتراك في الهدي الواجب، فالحديثان مستعملان عندنا على هذا التَّأويل.
          قال إسماعيل بن إسحاق: وأمَّا رواية يونس عن الزُّهريِّ، عن عَمْرة، عن عائشة: ((أنَّ النَّبي صلعم نحر عن أزواجه بقرة واحدة)) فإنَّ يونس انفرد بذلك وحده، وخالفه مالك فأرسله، ورواه القاسم وعمرة عن عائشة ((أنَّ رسول الله ذبح عن أزواجه البقر)) حدَّثنا بذلك أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. وحدَّثنا به القَعنَبيُّ عن سليمان بن بلال، عن يحيى، عن عَمْرة، عن عائشة. وهذه أسانيد الفقهاء الذين يفهمون ما يحتاج إلى فهمه.
          قال المُهَلَّب: في حديث عائشة من الفقه أنَّه من كَفَّر عن غيره كفَّارة يمين أو ظهار أو قتل نفس، أو أهدى عنه، أو أَدَّى عنه دينا بغير أمره، أنَّ ذلك كلَّه مجزئًا(1) عنه؛ لأنَّه لم يعرف نساء النَّبيِّ صلعم بما أدَّى عنهنَّ مَنْ نحر البقر لما وجب عليهنَّ من نُسك التَّمتُّع، وهذا حجَّة لابن القاسم في قوله: إذا أعتق الرَّجل عبده عن غيره في كفَّارة الظِّهار أنَّه يجزئه، ولم يُجز ذلك أشهب وابن الموَّاز، وقالا: لا يعتق عنه بغير علمه؛ لأنَّه فرض وجَبَ عليه، ودليل هذا الحديث لازم لهما، ولمن قال بقولهما من الفقهاء.
          وقد تقدَّمت هذه المسألة واختلاف أهل العلم فيما يجوز عمله بنيَّة وبغير نيَّة في آخر كتاب الإيمان في باب: ما جاء من الأعمال بالنيَّة والحِسبَة، [خ¦54] [خ¦55] [خ¦56] وقد تقدَّم معنى قوله: (أَتَتكَ بالحدِيثِ على وجهِهِ)، وهو أنَّها ذكرت ابتداء الإحرام وذكرت انتهاءه حين وصلوا إلى مكَّة، وفسخ من لم يسق الهدي.


[1] كذا في (ص) والمطبوع بالنصب والجادة الرفع.