شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب طواف النساء مع الرجال

          ░64▒ باب: طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.
          فيه: عَطَاءٌ أنَّهُ قَالَ لابنِ هِشَام إِذْ مَنَعَ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ(1): (كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبيِّ صلعم مَعَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَم(2) قَبْلُ؟ قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ(3) بَعْدَ الْحِجَابِ، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْهنَّ(4)، كَانَتْ عَائِشَةُ تَطُوفُ حجْزَةً(5) مِنَ الرِّجَالِ لا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتِ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ(6) أْن تَستَلم، قَالَ: وَكُنَّ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حتَّى(7) يَدْخُلْنَ، وَيخْرجَ(8) الرِّجَالُ وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ في جَوْفِ ثَبِيرٍ، قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ في قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا(9) بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا). [خ¦1618]
          وفيه: أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ(10): (شَكَوْتُ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ صلعم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ.(11) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}[الطور:1-2]). [خ¦1619]
          قال المُهَلَّب: قول عطاء: قد طاف الرِّجال مع النِّساء، يريد أنَّهم طافوا في وقتٍ واحدٍ غير مختلطاتٍ بالرِّجال لأنَّ سنَّتهنَّ أن يطفن ويصلين وراء الرِّجال ويستترن عنهم لقوله ◙: (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وأَنتِ رَاكِبَةٌ).
          وفيه: أنَّ السُّنَّة إذا أراد النِّساء دخول البيت أن يخرج الرِّجال عنه، بخلاف الطَّواف حول البيت، وفيه(12) المجاورة بمكَّة وهو نوع من الاعتكاف، وهو على ضربين: مجاورة باللَّيل والنَّهار، فهو الاعتكاف، ومجاورة بالنَّهار وانصراف باللَّيل على حسب نيَّته وشرطه(13).
          وفيه: جواز المجاورة في الحرم كلِّه، وإن لم يكن في المسجد الحرام لأنَّ(14) ثبيرًا / خارج عن مكَّة، وهو في طريق منى، وقراءة رسول الله صلعم بالطُّور كانت في صلاة الفجر، كذلك بوَّب له البخاريُّ في كتاب الصَّلاة، [خ¦10/104-1226] [خ¦10/105-1229] وذكره بعد هذا في باب من صلَّى ركعتي الطَواف(15) خارجًا من المسجد: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لأمِّ سلمة: ((إِذا أُقيمَتْ صَلاةُ الصُّبحِ فطوفِي على بَعيرِكِ والنَّاسُ يُصلُّونَ)). [خ¦1626]
          وابن جرير هو راوي الحديث عن عطاء، وهو السَّائل له عن هذه القصَّة، وبينهما جرى الخطاب، وعطاء هو القائل: (وَكنتُ آتِي عائشةَ أَنَا وعُبيدُ بنُ عميرٍ وهِيَ مُجاورَةٌ فِي جوفِ ثَبِيرٍ)، قال: (وَرَأيتُ عَلَيها دِرْعًا مُوَرَّدًا وَأَنا صَبِيٌّ)، وروى عبد الرَّزَّاق هذا الحديث عن ابن جُريج أتمَّ من رواية البخاريِّ، وقال فيه: ((فأبَت أنْ تستَلِمَ، قالَ: وكنَّ يخرجنَ متنكِّراتٍ باللَّيلِ))، وقال فيه أيضًا: ((كنَّ إذا دَخلنَ البيتَ سُتِرنَ حِينَ يَدخُلنَ(16)))، مكان: (قُمنَ حتَّى يَدخُلنَ).
          وقوله: (حَجْرَةً) يعني ناحية من النَّاس معتزلة، وقال عبد الرَّزَّاق: يعني محجورًا(17) بينها وبين الرِّجال بثوبٍ، والتُّركيَّة: قبَّة صغيرة من لُبُودٍ.


[1] قوله ((مع الرجال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((أو)).
[3] في (م): ((أدركت)).
[4] في (م): ((يخالطن)).
[5] في (م): ((حجرة)).
[6] في (م) و(ص) صورتها: ((فأبت)).
[7] في (ز) و(ص): ((حين)) والمثبت من (م).
[8] في (م): ((وأخرج)).
[9] في (م): ((ما)).
[10] قوله ((قالت)) ليس في (م).
[11] في (م): ((بالطور)).
[12] زاد في (م): ((أن)).
[13] زاد في (م): ((فيها)).
[14] في (م): ((لا)).
[15] قوله: ((خارج عن مكة، وهو في طريق منى، وقراءة....... ركعتي الطواف)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[16] في (ز): ((دَخلَتِ البيتَ سِرنَ حتَّى يدخلَ)).
[17] في (م): ((محجوزًا)).