شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}

          ░2▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: /
          {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27]{فِجَاجًا}: الطُّرُقُ الْوَاسِعَة.(1)
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بذي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حَينَ تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً). [خ¦1514]
          وفيه: جَابِرٌ: (أنَّ إِهْلالَ رَسُولِ اللهِ صلعم مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ). ورَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ. [خ¦1515]
          ذكر ابن المنذر عن ابن عبَّاس في هذه الآية: هم المشاة والرُّكبان على كلِّ ضامر من الإبل، وروى محمَّد بن كعب عن ابن عبَّاس قال: ما فاتني شيءٌ أشدُّ عليَّ إلَّا أن أكون حججت ماشيًا، لأنَّ الله تعالى يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعلى كُلِّ ضَامِرٍ}[الحج:27]فبدأ بالرِّجال قبل الرُّكبان، وذكر(2) إسماعيل بن إسحاق عن مجاهدٍ قال: أُهبط آدم بالهند، فحجَّ على قدميه البيت أربعين حجَّةً، وعن ابن أبي نَجِيْح، عن مجاهدٍ أنَّ إبراهيم وإسماعيل ♂ حجَّا ماشيين، وحجَّ النَّبيُّ ◙ راكبًا، ولذلك ذكر حديث ابن عمر وجابر في هذا الباب، وذلك كلُّه مباح، وقد قال تعالى(3): {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}[الحج:30].
          قال ابن القصَّار: في قوله: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} دليلٌ قاطعٌ لمالك أنَّ الرَّاحلة ليست من شرط السَّبيل، والمخالفون يزعمون أنَّ الحجَّ لا يجب على الرِّجالة، وهذا خلاف الآية.
          واختلفوا في تأويل قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:28]فرُوي عن ابن عباسٍ وسعيد بن جبير ومجاهد أنَّها التِّجارة، وزاد مجاهد: وما يرضاه الله من أمر الدُّنيا والآخرة، وقال أبو جعفر: هي المغفرة، واختاره إسماعيل بن إسحاق، وسيأتي الاختلاف في بدء إهلال رسول الله صلعم بعد هذا في موضعه إن شاء الله. [خ¦1541]


[1] قوله: (({فِجَاجًا}: الطُّرُقُ الْوَاسِعَة)) ليس في (م). وبدله: (({ليشهدوا منافع لهم})).
[2] في (م): ((ذكر)).
[3] في (م): ((وقد قال الله تعالى)).