شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟

          ░83▒ باب: أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟
          فيه: عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ، قُلْتُ: (أَخبِرنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ رسُولِ اللهِ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأبْطَحِ، ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ. وَقَالَ مَرَّةً: خَرَجْتُ إلى مِنًى، فَلَقِيتُ أَنَسًا ذَاهِبًا على حِمَارٍ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبيُّ صلعم الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ قَالَ: انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ). [خ¦1653]
          قال المُهَلَّب: النَّاس في سعةٍ من هذا، يخرجون متى أحبُّوا ويصلُّون حيث أمكنهم، ولذلك قال أنسٌ: صلِّ حيث تصلِّ أمراؤك. والمستحبُّ من ذلك ما فعله رسول الله صلعم، صلَّى الظُّهر والعصر بمنًى، وهو قول مالكٍ والثَّوريِّ وأبي حنيفة والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ، وعادة أهل مكَّة أن يخرجوا إلى مِنًى بعد صلاة العشاء، وكانت عائشة تخرج ثلث اللَّيل.
          وهذا يدلُّ على التَّوسعة، وكذلك المبيت في(1) منًى ليلة عرفة ليس فيه حرجٌ إذا وافى عرفة الوقت الذي يَجِبُ، ولا فيه جبرٌ، كما يجبر ترك المبيت بها بعد الوقوف أيَّام رمي الجمار، وبه قال مالكٌ وأبو حنيفة والشَّافعيُّ وأبو ثور.
          والمستحبُّ في ذلك أن يصلِّي الظُّهر والعصر بمنى، ثمَّ يصلِّي المغرب والعشاء والصُّبح بها، ثمَّ يدفع بعد طلوع الشَّمس إلى عرفة فيصلِّي فيها الظُّهر والعصر، ثمَّ يطلع إلى جبال الرَّحمة يدعو إلى أن تغرب الشَّمس، فإذا غربت دفع مع الإمام فيصلِّي المغرب والعشاء بالمزدلفة يجمع بينهما، ثمَّ يبيت بالمزدلفة، فإن أخذ منها حصى الجمار فَحَسَن، ثمَّ يصلِّي الصُّبح بها، ثمَّ يدفع من المزدلفة قبل طلوع الشَّمس إلى منًى لرمي جمرة العقبة يرميها يوم النَّحر إلى وقت الزَّوال، ثمَّ يحلُّ له كلُّ شيء إلَّا النِّساء والطِّيب، والصَّيد عند مالكٍ، وعند غيره إلَّا النِّساء، فإن أراد استعجال تمام الحلِّ كلِّه نهض إلى مكَّة فطاف طواف الإفاضة، وحلَّ حلًّا كاملًا، ثمَّ يرجع يوم النَّحر إلى منًى فيبيت بها ويرمي الجمار في الثَّلاثة الأيَّام من منًى بعد الزَّوال، إلَّا أن يتعجَّل في يومين وقد تمَّ حجُّه.
          وحَدُّ منًى من مُحَسِّر إلى العقبة، وكان منزل الرَّسول صلعم من منًى بالخَيفِ.


[1] في (ص) والمطبوع: ((عن)) والمثبت من التوضيح.