شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرمل في الحج والعمرة

          ░57▒ باب: الرَّمَلِ في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
          فيه: ابْنِ عُمَرَ: (سَعَى النَّبيُّ صلعم ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً في الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ). [خ¦1604]
          وفيه: عُمَرُ أنه قَالَ لِلرُّكْنِ: (أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبيَّ(1) صلعم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ قَالَ: ومَا(2) لَنَا وَلِلرَّمَلِ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ رسُولُ اللهِ(3) صلعم فَلا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ). [خ¦1605]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ: (مَا تَرَكْتُ اسْتِلامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ في شِدَّةٍ وَلا رَخَاءٍ مُذ رَأَيْتُ رسُول الله
          صلعم يَسْتَلِمُهُمَا، قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي، لِيَكُونَ أَيْسَرَ لاسْتِلامِهِ). [خ¦1606]
          واختلف(4) أهل العلم في الرَّمل هل هو سنَّة لا يجب تركها في الحجِّ والعمرة أم لا؟ فرُوي عن أبي بكر الصِّدِّيق وعمر بن الخطَّاب وابن مسعود وابن عمر أنَّ الرَّمل سنَّةٌ لكلِّ قادم مكَّة في الثَّلاثة الأطواف الأُوَل، وهو(5) قول مالك وأبي حنيفة والثَّوريِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق.
          وقال آخرون: ليس الرَّمل سنَّة(6)، ومن شاء فعله، ومن شاء تركه، رُوي ذلك عن ابن عبَّاس وعطاء وطاوس والحسن والقاسم وسالم.
          واختلفوا فيما يجب على من تركه، فرُوي عن ابن عبَّاس وهو المشهور عنه أنَّه لا شيء عليه، وبه قال عطاء، ورواه ابن وهب عن مالك، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ.
          وقال الحسن البصريُّ: عليه دم، وهو قول الثَّوريِّ، ورواه معن(7) عن مالك، وقال ابن القاسم: رجع عن ذلك مالك، فذكر(8) ابن(9) حبيب عن مُطَرِّف وابن الماجِشون وابن القاسم أنَّ عليه الدَّم في قليل ذلك وكثيره، واحتجَّ بقول ابن عبَّاس: من ترك من نسكه شيئًا فعليه دم. وهذا الاستدلال خطأ لأنَّ الأَشْهَر عن ابن عبَّاس أنَّ من شاء رمل، ومن شاء لم يرمل، ومذهبه أنَّ من ترك الرَّمل فلا شيء عليه.
          وقال الطَّبريُّ: قد ثبت أنَّ النَّبيَّ ◙ رمل ولا مشرك يومئذ بمكَّة يرائي بالرَّمل، فكان معلومًا أنَّه من مناسك الحجِّ، غير أنَّا لا نرى على من تركه عامدًا ولا ساهيًا قضاء ولا فدية لأنَّ من تركه فليس بتارك لعمل، وإنَّما هو تارك منه لهيئة وصفة، كالتَّلبية الَّتي من سنَّة النَّبيِّ ◙ فيها العَجُّ ورفع الصَّوت، فإن خفض الصَّوت بها(10) كان غير مضيِّع للتَّلبية(11) ولا تاركها، وإنَّما ضيَّع صفة من صفاتها، ولا يلزمه بترك العجِّ ورفع الصَّوت قضاء ولا فدية.
          وأجمعوا أنَّه لا رَمَل على النِّساء في طوافهنَّ بالبيت ولا هرولة في سعيهنَّ بين الصَّفا والمروة، وكذلك أجمعوا(12) أنَّه لا رمل على من أحرم بالحجِّ من مكَّة من غير أهلها(13) لأنَّهم(14) رملوا في حين دخولهم مكَّة حين طافوا للقدوم.
          واختلفوا في أهل مكَّة هل عليهم رمل؟ فكان ابن عمر لا يراه عليهم، واستحبَّه مالك والشَّافعيُّ للمكِّيِّ. وعلَّة من لم ير الرَّمل للمكِّيِّ أنَّه من سنَّة القادم، وليس المكِّيُّ بقادم، وعلَّة من استحبَّه للمكِّيِّ في طواف الإفاضة لأنَّه طواف ينوب عن طواف القدوم(15) وطواف الإفاضة، واستحبَّ(16) له الرَّمل ليأتي بِسُنَّة هي في أحد الطَّوافين، فتتمُّ له السُّنَّةُ في ذلك، كما أنَّه يسعى بين الصَّفا والمروة في طواف الإفاضة، وغير المكِّيِّ لا يسعى بين الصَّفا والمروة إلَّا مع طواف الدُّخول.


[1] في (م): ((رسول الله)).
[2] في (م): ((ما)).
[3] في (م): ((النبي)).
[4] في (م): ((اختلف)).
[5] في (م): ((وهذا)).
[6] في (م): ((بسنة)).
[7] في (ز): ((معين)) والمثبت من (م).
[8] في (م): ((وذكر)).
[9] في (ز): ((أبو)) والمثبت من (م).
[10] في (م): ((فيها)).
[11] في (م): ((التلبية)).
[12] في (ز): ((اختلفوا)) والمثبت من (م).
[13] زاد في (م): ((وهم المتمتعون)).
[14] زاد في (م): ((قد)).
[15] في (م): ((الدخول)).
[16] في (م): ((فاستحب)).