شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا

          ░56▒ باب: اسْتِلامِ الْحَجَرِ الأسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ وَيَرْمُلُ(1) ثَلاثًا.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأسْوَدَ(2) أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْواطٍ(3) مِنَ السَّبْعِ). [خ¦1603]
          سنَّة الطَّواف أن يبدأ الدَّاخل بمكَّة بالحجر الأسود فيقبِّله إن استطاع، ويمسحه(4) بيمينه ويقبِّلها بعد أن يضعها عليه، فإن لم يقدر قام بحذائه فكبَّر ثمَّ أخذ في طوافه، ثمَّ مضى على يمينه على باب الكعبة إلى الرُّكن الَّذي لا يستلم، ثمَّ إلى الَّذي يليه مثله، ثمَّ إلى الركن الثَّالث، وهو اليماني الَّذي يستلم، ثمَّ إلى الرُّكن الأسود، وهذه طوفةٌ واحدةٌ، يفعل ذلك ثلاثة(5) أطواف يرمل فيها، ثمَّ أربعة لا يرمل فيها، وهذا إجماع من العلماء أنَّه من فعل هذا فقد فعل ما ينبغي(6)، فإن لم يطف كما وصفنا، وجعل البيت عن يمينه ومضى من الرُّكن الأسود على يساره فقد نكس طوافه، ولم يجزئه عند مالك والشَّافعيِّ وأبي ثورٍ، وعليه أن يرجع من بلاده ويطوف(7) لأنَّه كمن لم يطف، لخلافه سنَّة النَّبيِّ ◙ في طوافه، ومن خالفه فَفِعْلُه ردٌّ، والمردود غير مقبول.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: يعيد الطَّواف ما كان بمكَّة، فإذا بلغ الكوفة وأبعد(8) كان عليه دم ويجزئه، واحتجُّوا بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29]. قالوا: ولم يفرِّق بين طواف منكوس أو غيره، فوجب أن يجزئه، والخَبُّ: ضرب من العَدْو، يُقال: خبَّت الدَّابَّة تخُبُّ خَبًّا، إذا أسرعت(9) المشي وراوحت(10) بين قدميها، وكذلك تقول العرب للخيل إذا وصفتها بسرعة السَّير(11): مراوحة بين أيديها، فأمَّا إذا رفعت أيديها معًا ووضعتها كذلك فذلك التَّقريب(12) لا الخَبَب. /


[1] في (م): ((فيرمل)).
[2] قوله: ((الأسود)) لعله ضرب عليها في (ز)، عليها خط.
[3] في (م) كتب فوقها: ((طواف)).
[4] في (م): ((أو يمسه)).
[5] في (م): ((بثلاثة)).
[6] زاد في (م): ((له)).
[7] في (م): ((فيطوف)).
[8] في (م): ((أو أبعد)).
[9] زاد في (م): ((في)).
[10] في (م) صورتها: ((وزاوجت)).
[11] في (م): ((المشي)).
[12] في (ز): ((التقرين)) والمثبت من (م).