شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الطواف بعد الصبح والعصر

          ░73▒ باب: الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ.
          وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي رَكْعَتَي الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ الصُّبْحِ، فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بذي طُوًى، يعني بعد طلوع الشَّمس(1).
          فيه: عَائِشَةُ: أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَعَدُوا إلى الْذَكِّرِ، حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ. [خ¦1628]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: (سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَنْهَى عنِ الصَّلاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا). [خ¦1629]
          قَالَ(2) عَبْدُ الْعَزِيز: (ورَأَيْتُ(3) ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَيُصَلِّي الرَكْعَتَيْنِ(4)، وَكْانَ يُصَلي بَعد العَصر رَكْعَتَيْنِ، وَيُخْبِرُ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا(5) قطُّ(6) إِلَّا صَلَّاهُمَا). [خ¦1630] [خ¦1631]
          قال المؤلِّف: قد ذكر البخاريُّ الخلاف في هذه المسألة عن الصَّحابة، وكان ابن عبَّاس(7) يصلِّي بعد الصُّبح والعصر ركعتي الطَّواف، وهو قول عطاء وطاوس والقاسم وعروة(8)، وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وحجَّتهم حديث ابن عيينة(9) / عن أبي الزُّبير، عن عبد الله بن بابيه، عن جبير بن مطعم: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((يا بني عبدِ منافٍ، لا تَمنعُنَّ(10) أحدًا طافَ بهذا البيتِ وصلَّى أيَّ ساعةٍ شاءَ مِنْ ليلٍ أو نهارٍ)). فَعَمَّ الأوقات كلَّها.
          ورُوي عن أبي سعيد الخدريِّ مثل قول عُمَر بن الخطَّاب: لا بأس بالطَّواف بعد الصُّبح والعصر، ويؤخِّر الرَّكعتين إلى بعد طلوع الشَّمس وبعد غروبها(11)، رواه سفيان عن الزُّهريِّ عن عروة(12) عن عبد الرَّحمن بن عبد القاري قال: طاف عمر بالبيت بعد الصُّبح فلم(13) يركع، فلمَّا صار(14) بذي طوى وطلعت الشَّمس صلَّى ركعتين، وهو قول مالك وأبي حنيفة والثَّوريِّ.
          قال الطَّحاويُّ: فهذا عمر ☺ لم يركع حين طاف لأنَّه لم يكن عنده وقت صلاة، وأخَّر ذلك إلى أن دخل عليه وقت الصَّلاة، وهذا بحضرة جماعة من(15) أصحاب النَّبيِّ ◙ فلم(16) ينكره عليه منهم أحد، ولو كان ذلك الوقت عنده وقت صلاة الطَّواف(17) لصلَّى، ولما أخَّر ذلك لأنَّه لا ينبغي لأحدٍ(18) طاف بالبيت إلَّا أن يصلِّي حينئذٍ إلَّا من عذرٍ.
          وقد رُوي(19) ذلك عن معاذ بن عفراء وعن ابن عمر، حدَّثنا ابن خزيمة، حدَّثنا حجَّاج، حدَّثنا هَمَّام، حدَّثنا نافع: أنَّ ابن عمر قدم عند صلاة الصُّبح فطاف ولم يصلِّ إلَّا بعد ما طلعت الشَّمس، فهذا قول آخر عن ابن عمر في المسألة غير ما ذكره(20) عنه البخاريُّ.
          قال المُهَلَّب: وما ذكره البخاريُّ عن ابن عمر أنَّه كان يركع ركعتي الطَّواف(21) ما لم تطلع الشَّمس، وهو يروي نهي النَّبيِّ صلعم عن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها، فيدلُّ _والله أعلم_ أنَّ النَّهي عنده عن ذلك إنَّما هو عند موافقة الطُّلوع والغروب، فأمَّا(22) إذا أمن أن يوافق ذلك فله أن يصلِّي ركعتي الطَّواف، لأنَّ الوقت لهما واسع(23)، ومن سنَّتهما الاتِّصال بالطَّواف.
          وقد بيَّن ذلك ما رواه الطَّحاويُّ قال: حدَّثنا أحمد بن داود قال: حدَّثنا يعقوب بن حميد، حدَّثنا ابن أبي غَنِيَّة، عن عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ قال: كان ابن عمر يطوف بعد العصر ويصلِّي ما كانت الشَّمس بيضاء حيَّة، فإذا اصفرَّت وتغيَّرت طاف طوافًا واحدًا حتَّى يصلِّي المغرب، ثمَّ يصلِّي ويطوف بعد الصُّبح ما كان في غلسٍ، فإذا أسفر طاف طوافًا واحدًا(24) ثمَّ يجلس حتَّى ترتفع الشَّمس ويمكن الرُّكوع، وهذا قول مجاهد والنَّخعيِّ وعطاء، وهو قول ثالث في المسألة ذكره الطَّحاويُّ.


[1] قوله: ((يعني بعد طلوع الشمس)) ليس في (م).
[2] في (م): ((وقال)).
[3] في (م): ((عبد العزيز بن رفيع: رأيت)).
[4] قوله: ((ويصلي الركعتين)) ليس في (م).
[5] في (ز): ((بيتًا)) والمثبت من (م).
[6] قوله: ((قط)) ليس في (م).
[7] جاء في حاشية (ز): ((نسخة: ابن عمر)).
[8] في (م): ((وعروة والقاسم)).
[9] قوله: ((في باب إذا وقف في الطَّواف؟ قيل: معناه والله أعلم.......وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وحجَّتهم حديث ابن عيينة)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[10] في (م): ((تمنعوا)).
[11] في (م): ((الشمس وغروبها)).
[12] قوله: ((عن الزهري عن عروة)) زيادة من (م) وليس في (ص).
[13] في (ز) و(ص): ((ما لم)) والمثبت من (م).
[14] في (م): ((كان)).
[15] في (م): ((بحضرة سائر)).
[16] في (م): ((لم)).
[17] في (م): ((للطواف)).
[18] في (م): ((لا)).
[19] زاد في (م): ((مثل)).
[20] في (م): ((ذكر)).
[21] في (م): ((ركعتين للطواف)).
[22] في (م): ((وأما)).
[23] في (م): ((أوسع)).
[24] قوله: ((واحدًا)) ليس في (م).