شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب رمي الجمار

          ░134▒ باب: رَمْيِ الْجِمَارِ
          وَقَالَ جَابِرٌ: (رَمَى النَّبيُّ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ).
          وفيه: وَبَرَةَ: (سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ / الشَّمْسُ رَمَيْنَا). [خ¦1746]
          قول جابر: ((رَمَى النَّبيُّ صلعم يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى)) فإنَّما يريد جمرة العقبة، لا يرمي يوم النَّحر غيرها، وقوله: (ثمَّ رَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ) فإنَّه يعني رمي الجمار أيَّام التَّشريق، وممَّن رماها بعد الزَّوال: عُمَر بن الخطَّاب وابن عبَّاس وابن الزُّبير، ولذلك قال ابن عمر: (كُنَّا نَتَحيَّنُ فَإِذا زَالَتِ الشَّمسُ رَمَينا). وهذه سنَّة الرَّمي أيَّام التَشريق الثَّلاثة، لا تجوز إلَّا بعد الزَّوال عند الجمهور، منهم: مالك والثَّوريُّ وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمَّد والشَّافعيُّ وأحمد، وقال أبو حنيفة القياس أنَّه لا يجوز إلَّا بعد الزَّوال، ولكنَّا استحسنَّا أن يكون في اليوم الثَّالث قبل الزَّوال.
          وقال إسحاق: إن رمى في اليوم الأوَّل والثَّاني قبل الزَّوال أعاد، وفي اليوم الثَّالث يجزئه. وقال عطاء وطاوس: يجوز في الأيَّام الثَّلاثة قبل الزَّوال. وحديث جابر وابن عمر يردُّ هذا القول، والحجَّة في السُّنَّة، فلا معنى لقول من خالفها، ولا لمن استحبَّ غيرها، واتَّفق مالك وأبو حنيفة والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأبو ثور إذا مضت أيَّام التَّشريق وغابت الشَّمس من آخرها فقد فات الرَّمي، ويجبر ذلك بالدَّم.