شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك

          ░16▒ باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (الْعَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ).
          فيه: عُمَرُ: (سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ(1): أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ / في هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ). [خ¦1534]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: (أنَّ النَّبيَّ صلعم أتِيَ(2) وَهُوَ في(3) مُعَرَّسٍ بذي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، فقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ، وَقَدْ أَنَاخَ(4) بِنَا سَالِمٌ، فَتَوَخَّى بِالْمُنَاخِ(5) الَّذي كَانَ عبد اللهِ يُنِيخُ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ الله صلعم وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ). [خ¦1535]
          قال المُهَلَّب: بهذه الرُّؤيا حكم النَّبيُّ صلعم بنسخ ما كان في الجاهليَّة(6) من تحريم العمرة في أشهر الحجِّ لأن رؤيا الأنبياء وحي، فأمر أصحابه الذين أهلُّوا بالحجِّ من ذي الحليفة(7) ممَّن لم يكن معه هدي أن يفسخوه في عمْرة، فعظم ذلك عليهم لبقائه هو على حجِّه من أجل ما كان ساق من الهدي، وما كان استشعره من التَّلبيد(8) لرأسه، وفيه أنَّ السُّنن والفرائض قد يخبر عنها بخبرٍ واحد فيما اتَّفقا فيه، وإن كان حكمها(9) يختلف في غيره، فلما كان الإحرام بالحجِّ والعمرة واحدًا أخبر الله عنها(10) في هذه الرُّؤيا بذلك فقال: (عُمْرةً وحَجَّةً(11)) أي إحرامكم تدخل فيه العمرة والحجَّة(12) متتاليًا ومفترقًا.
          قال ابن القصَّار: وقد احتجَّ الكوفيُّون للقِران أنَّه أفضل من الإفراد، وأنَّه(13) الَّذي أمر به(14) النَّبيُّ ◙ أن نفعله بقوله ◙: (وقُل عمْرةً(15) في حجَّةٍ). فالجواب أنَّه يحتمل أن يريد أحد أمرين: إمَّا أن يحرم بالعمرة إذا فرغ من حجَّته قبل أن يرجع إلى منزله، فكأنَّه قال(16): إذا خرجت وحججت فقل: لبَّيك بعمرةٍ، وتكون في حجَّتك الَّتي تحجُّ فيها.
          قال المؤلِّف: ويؤيِّد هذا التَّأويل ما رواه البخاريُّ في هذا الحديث في كتاب الاعتصام (وَقُل: عُمْرةً وحَجَّةً) ففصل بينهما بالواو.
          قال ابن القصَّار: ويحتمل أن يريد أن أفعال العمرة هي بعض أفعال الحجِّ، فكأنه أوقع أفعال(17) العمرة في فعل هو بعض أفعال الحجِّ، وقال غيره: معناه: (قُل: عُمْرَةً في حَجَّةٍ) أي قل ذلك لأصحابك، أي أعلمهم(18) أنَّ القِران جائز، وأنَّه من سنن الحجِّ.
          قال الطَّبريُّ: وهذا نظير قوله ◙: ((دَخَلَتِ العُمرةُ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ)). قال: ومعنى قوله ◙: (أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ(19) فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ) فهو إعلام منه ◙ بفضل المكان لا إيجاب الصَّلاة فيه لأنَّ الأمَّة مجمعةٌ(20) أنَّ الصَّلاة بوادي العقيق غير فرضٍ، فبان بهذا(21) أنَّ أمره ◙ بالصَّلاة فيه نظير حثِّه لأمَّته على الصَّلاة في مسجده ومسجد قباء والله الموفِّق.


[1] قوله: ((سَمِعْتُ النبي صلعم بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ)) ليس في (م).
[2] في (م): ((رئي)).
[3] قوله: ((في)) ليس في (م).
[4] في (م): ((وأناخ)).
[5] في (م): ((يتوخى المناخ)).
[6] في (م): ((ما كانت الجاهلية عليه)).
[7] قوله: ((في أشهر الحج؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، فأمر أصحابه الذين أهلوا بالحج من ذي الحليفة)) زيادة من (م) ونسخة دار الكتب المصرية، ولعله سقط منها وكتب في الحاشية، لكن الحاشية غير واضحة.
[8] في (م): ((التلبية)).
[9] في (م): ((حكمهما)).
[10] في (م): ((عنهما)) وغير واضحة في النسخة المصرية.
[11] في (م): ((عمرة في حجة)).
[12] في المصرية: ((الحج)).
[13] في (م): ((وأن)).
[14] قوله: ((به)) ليس في (م).
[15] في (ز): ((بعمرة)). والمثبت من (م)، غير واضحة في (ص).
[16] زاد في (م): ((له)).
[17] في (م): ((إحرام)).
[18] في (م): ((علِّمهم)).
[19] في (م): ((من ربي فأمرني أن أصلي)).
[20] زاد في (م): ((على)).
[21] في (م): ((بذلك)).