شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا

          ░130▒ باب: إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى أَوْ حَلَقَ(1) قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم قِيلَ لَهُ في الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ، وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، فَقَالَ: لا حَرَجَ). [خ¦1734]
          أجمع العلماء أنَّ الاختيار في رمي جمرة العقبة يوم النَّحر من طلوع الشَّمس إلى زوالها، وأنَّه إن رمى قبل غروب الشَّمس / من يوم النَّحر أجزأ عنه، إلَّا مالكًا فإنَّه يستحبُّ له أن يهريق دمًا يجيء به من الحلِّ.
          واختلفوا فيمن رمى من اللَّيل أو من الغد، فقال مالك: عليه دم. وهو قول عطاء والثَّوريِّ وإسحاق، وقال مالك في «الموطَّأ»: من نسي جمرة من الجمار أيَّام منى حتَّى يمسي، يرميها أيَّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ما دام بمنًى، كما يصلِّي الصَّلاة أيَّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار. ولم يذكر دمًا، وذكر عنه ابن القاسم أنَّه كان مرَّة يرى عليه الدَّم، ومرَّة لا يرى عليه ذلك، وقال أبو حنيفة: إن رماها من اللَّيل فلا شيء عليه، وإن أخَّرها إلى الغد فعليه دم. وقال أبو يوسف ومحمَّد والشَّافعيُّ: لا شيء عليه وإن أخَّرها إلى الغد. واحتجُّوا بقول الرَّسول: (لا حَرَجَ) للذي قال له: رميتُ بَعْد ما أمسيت. وأيضًا فإنَّ النَّبيَّ صلعم أرخص لرعاء الإبل في مثل ذلك، يرعون بالنَّهار ويرمون باللَّيل، وما كان ليرخص لهم فيما لا يجوز، وحجَّة مالك أنَّ النَّبيَّ صلعم وقَّت لرمي جمرة العقبة وقتًا، وهو يوم النَّحر، فمن رمى بعد غروب الشَّمس فقد رمى بعد وقتها، ومن فعل في الحجِّ شيئًا بعد وقته فعليه دم، وقد تقدَّم اختلافهم في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر، أو قبل طلوع الشَّمس من يوم النَّحر لأهل العذر وغيرهم في باب من يقدِّم ضعفة أهله باللَّيل، فأغنى عن إعادته. [خ¦1676]
          وأمَّا قوله: (نَاسِيًا أَو جَاهِلًا) فإنَّ العلماء لم يفرِّقوا بين الجاهل والعامد في أمور الحجِّ، وقد تقدَّم الاختلاف فيمن حلق قبل أن يذبح في باب الذَّبح قبل الحلق، فأغنى عن إعادته. [خ¦1721]
          فإن قال قائل: ما معنى قول القائل للنَّبيِّ ◙: ((رميت بعد ما أمسيت)) وهذا يوهم أنَّه كان السَّؤال له ◙ بعد انقضاء المساء، وهذا حديث عبد الله بن عَمْرو في الباب بعد هذا أنَّه وقف النَّبيُّ صلعم على ناقته يوم النَّحر للنَّاس يسألونه، وذكر الحديث.
          فالجواب: أنَّ العرب تسمِّي ما بعد الزَّوال: مساءً وعشاءً ورواحًا، وهو مشهور في لغتهم، روى مالك عن ربيعة، عن القاسم بن محمَّد أنَّه قال: ما أدركت النَّاس إلَّا وهم يصلُّون الظُّهر بعشيٍّ. وإنَّما يريد تأخيرها إلى ربع القامة، وتمكُّن الوقت في شدَّة الحرِّ، وهو وقت الإبراد الذي أمر به ◙.


[1] قوله: ((أَوْ حَلَقَ)) ليس في (ص) والمثبت من المطبوع.