شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

          ░6▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:197]
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ(1): كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. [خ¦1523]
          قال المُهَلَّب: فيه من الفقه أنَّ ترك سؤال النَّاس من التَّقوى، ألا ترى أنَّ الله مدح قومًا فقال: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة:273]، وكذلك معنى قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:197]أي: تزوَّدوا فلا تؤذوا النَّاس بسؤالكم إيَّاهم، واتَّقوا الإثم في أذاهم بذلك.
          وفيه: أنَّ التوكُّل لا يكون مع السُّؤال، وإنَّما(2) التَّوكُّل على الله دون استعانة بأحدٍ في شيءٍ، ويبيِّن(3) ذلك قوله ◙: ((يدخلُ الجنَةَ سبعونَ ألفًا بغيرِ حسابٍ، وهمُ الَّذينَ لا يَستَرقونَ، ولا يَكتَوونَ، ولا يَتطيَّرونَ، وعلى ربِّهم يتوكَّلونَ)). فهذه أسباب التَّوكُّل وصفاته.
          وقال الطَّحاويُّ: لمَّا كان التزوُّد فيه ترك المسألة المنهيِّ عنها في غير الحجِّ، وكانت حرامًا على الأغنياء قبل الحجِّ كانت في الحجِّ أوكد حرمة، وقال(4) سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا} قال: الكعك والسَّويق، وليس هذا من سعيد على أنَّ هذه الأصناف مِن الأزواد هي الَّتي أُبيحت في الحجِّ دون ما سواها، ولكنَّه على إفهام السَّائل أنَّ المراد هو الزَّاد الَّذي هو قوام الأبدان، لا على التَّزوُّد من الأعمال، ثمَّ أتبع ذلك بقوله: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فكان هذا _والله أعلم_ أنَّ من التَّقوى ترك التَّعرُّض بحال من الأحوال الَّتي يخرج أهلها إلى المسألة المحرَّمة عليهم.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (ز): ((وإما)) والمثبت من (م).
[3] في (م): ((يبين)).
[4] في (م): ((وقد)).