شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاغتسال عند دخول مكة

          ░38▒ باب: الاغْتِسَالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (أنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بذي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ(1) صلعم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ). [خ¦1573]
          قال ابن المنذر: الاغتسال لدخول مكَّة مستحبُّ عند جميع العلماء، إلَّا أنَّه ليس في تركه عامدًا عندهم فديةٌ، وقال أكثرهم: الوضوء يجزئ منه، وكان ابن عمر يتوضَّأ أحيانًا ويغتسل أحيانًا، وروى ابن نافعٍ عن مالك أنَّه استحبَّ الأخذ بقول ابن عمر في الغسل للإهلال بذي الحليفة وبذي طوى لدخول مكَّة، وعند الرَّواح إلى عرفة. قال: ولو تركه تارك من عذرٍ لم أرَ عليه شيئًا، وقال ابن القاسم عن مالك: إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثمَّ مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم، فإِنَّ غسله يجزئ عنه، قال: وإن اغتسل بالمدينة غدوة وأقام إلى العشيِّ ثمَّ راح إلى ذي الحليفة فلا يجزئه(2)، وأوجبه أهل الظَّاهر(3) فرضًا على من أراد أن يحرم وإن كان طاهرًا(4)، والأمَّة على خلافهم، ورُوي عن الحسن: إذا نسي الغسل للإحرام يغتسل(5) إذا ذكر، واختلف(6) فيه عن عطاء، فقال مرَّة: يكفي منه الوضوء، وقال مرَّة غير ذلك.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما أمسك ابن عمر عن التَّلبية في أوَّل الحرم لأنَّه تأوَّل أنَّه قد بلغ إلى الموضع الَّذي دُعي(7) إليه، ورأى أن يكبَّر الله ويعظِّمه ويسبِّحه، إذ قد سقط عنه معنى التَّلبية بالبلوغ، وكره مالك التَّلبية(8) حول البيت، وقال ابن عيينة: ما رأيت أحدًا يُقْتَدى(9) به يلبِّي حول البيت إلَّا عطاء بن السَّائب. ورُوي عن سالم أنَّه كان يلبِّي في طوافه، وبه قال ربيعة والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق، فَكُلٌّ وَاسِعٌ(10).


[1] في (م): ((النبي)).
[2] العبارة في (م): ((قال لا يجزئه)).
[3] قوله: ((الظاهر)) ليس في (م).
[4] في (ص): ((طاهر)).
[5] في (م): ((اغتسل)).
[6] في (م): ((واختلفت)).
[7] صورتها في (ز): ((دعا)).
[8] قوله: ((التلبية)) ليس في (م).
[9] في (م): ((اقتدي)).
[10] العبارة في (م): ((وكل ذلك واسع)).