شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}

          ░46▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ} الآيات[إبراهيم:35]وقوله تعالى: {جَعلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ الحَرامَ قِيامًا للناسِ}الآية[المائدة:97].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قال(1): (قَالَ النَّبيُّ صلعم: يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ). [خ¦1591]
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَت(2): (كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللهِ(3) صلعم: مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ(4) فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَتْرُكْهُ). [خ¦1592]
          وفيه: أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: (قَالَ رسُولُ الله(5) صلعم: لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ(6) وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ). وروى شُعْبَةَ، عن قَتَادَةَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُحَجَّ الْبَيْتُ)، وَالأوَّلُ أَكْثَرُ. [خ¦1593]
          اختلف النَّاس(7) في تأويل قوله تعالى: {قِيامًا للنَّاسِ} فقال سعيد بن جبير: قوامًا لدينهم وعصمة(8) لهم، وقال عطاء: {قِيامًا للناسِ}: لو تركوه عامًا لم يُنظروا أن يهلكوا.
          وأمَّا حديث عائشة فهو مصدَّق للآية، ومعناه: أنَّ المشركين كانوا يعظمون الكعبة قديمًا بالسُّتور والكسوة ويقومون إليها كما يفعل المسلمون، وأمَّا حديث أبي هريرة أنَّ ذا السُّويقتين يخرب الكعبة، فهو مبيِّن لقوله تعالى عن إبراهيم ◙(9): {رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا}(10)[إبراهيم:35]أنَّ معناه(11) الخصوص، وأنَّ الله تعالى جعلها حرمًا آمنًا غير وقت تخريب ذي السُّويقتين لها لأنَّ ذلك لا يكون إلَّا باستباحته(12) حرمتها وتغلُّبه عليها، ثمَّ تعود حرمتها ويعود الحجُّ إليها كما أخبر الله خليله(13) إبراهيم ◙ فقال(14): {وَأَذِّن في النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27]فهذا شرط الله لا ينخرم ولا يحول، وإن كان في خِلاله وقت يكون فيه خوف(15) فلا يدوم / ولابدَّ من ارتفاعه ورجوع حرمتها وأمنها وحجِّ العباد إليها كما كان قبل إجابته(16) لدعوة إبراهيم خليله(17)، يدلُّ على ذلك حديث أبي سعيد الخدريِّ أنَّ رسول الله(18) صلعم قال: ((لَيحجَنَ البيتَ وليَعتمرنَّ بعدَ خروجِ يأجوجَ ومأجوجَ)). وعلى هذا التَّأويل لا تتضادُّ الآثار ولا معنى الآية، ولو صحَّ ما ذكره قَتادة لكان ذلك وقتًا من الدَّهر، ويحتمل أن يكون ذلك(19) وقت تخريب ذي السُّويقتين(20) لها بدليل حديث أبي سعيد.


[1] في (م): ((يمنعون)).
[2] قوله: ((قلت)) ليس في (م).
[3] في (م): ((النبي)).
[4] قوله: ((أن يصومه)) ليس في (م).
[5] في (م): ((النبي)).
[6] في (م): ((بالبيت)).
[7] في (م): ((السلف)).
[8] في (ز) و(ص): ((وعصبة)) والمثبت من (م).
[9] قوله: ((عن إبراهيم ◙)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[10] زاد في (م): ((واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)).
[11] في (ز) و(ص): ((هذا البلد. معناه)).
[12] في (ص): ((لا يكون الاستباحة)).
[13] في (م): ((أخبر ╡ نبيه وخليله)).
[14] زاد في (م): ((له)).
[15] في (م): ((حرب)).
[16] في (ز): ((إجابة)) والمثبت من (م).
[17] في (م): ((خليلك ◙)).
[18] في (م): ((النبي)).
[19] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[20] في (م): ((السويقين)).