شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل الحج المبرور

          ░4▒ باب: فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُور.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (سُئِلَ النَّبيُّ صلعم أيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ). [خ¦1519]
          فيه(1): عَائِشَةُ قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، فَلا(2) نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ). [خ¦1520]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ(3) النَّبِيُّ صلعم: مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ). [خ¦1521]
          قال المؤلِّف: إنَّما جُعل الجهاد في هذا الحديث أفضل من الحجِّ لأنَّ ذلك كان في أوَّل الإسلام وقلَّته، وكان(4) الجهاد فرضًا متعيِّنًا على كلِّ أحدٍ، فأمَّا إذ ظهر الإسلام وفشا، وصار الجهاد من فروض الكفاية على من قام به، فالحجُّ حينئذٍ أفضل، ألا ترى قوله ◙ لعائشة: (إنَّ أَفضَلَ جِهَادِكُنَّ(5) الحَجُّ) لماَّ لم يكنَّ من أهل القتال(6) والجهاد للمشركين، فإن حلَّ العدوُّ ببلدةٍ واحتيج إلى دفعه، وكان له ظهورٌ وقوَّةٌ وخيف منه وُجِّه(7) فرض الجهاد على الأعيان(8)، وكان أفضل من الحجِّ والله أعلم.
          وقال المُهَلَّب: وقوله ◙: (لَكِنَّ أَفضَلَ الجِهَادِ / حَجٌّ مَبرُورٌ). يفسِّر قوله تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}[الأحزاب:33]أنَّه ليس على الفرض لملازمة البيوت، كما زعم من أراد تنقُّص عائشة ♦ في خروجها إلى العراق للصَّلاح(9) بين المسلمين، وهذا الحديث يخرج الآية عمَّا تأوَّلوها لأنَّه قال: (لَكِنَّ أَفضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبرُورٌ) فدلَّ هذا على(10) أنَّ لهنَّ جهادًا غير(11) جهاد الحجِّ، والحجُّ أفضل منه.
          فإن قيل: إنَّ النِّساء لا يحلُّ لهنَّ الجهاد، قيل: قد قالت حفصة: ((قَدِمَت علينا امرأةٌ غَزَت معَ النَّبيِّ صلعم سِتَّ غزواتٍ، وقالَت: كنَّا نداوي الكَلمَى، ونقومُ على المرضى، وكانَ رسولُ اللهِ صلعم إذا أرادَ الغزوَ أسهمَ بينَ نسائِهِ، فأيَّتهنَّ خرجَ سهمُها غزَا بِها)).


[1] في (م): ((وفيه)).
[2] في (م): ((أفلا)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[4] في (م) تحتمل: ((فكان)).
[5] في (م): ((جهادهن)).
[6] في (م): ((العناء)).
[7] في (م): ((توجه)).
[8] في (م): ((العيان)).
[9] في (م): ((وللصلاح)).
[10] في (ز): ((على هذا)) والمثبت من (م).
[11] قوله: ((جهادًا غير)) ليس في (م).