شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا

          ░120▒ باب لا يُعْطَي الْجَزَّارُ مِنَ الْهَديِ شَيْئًا
          فيه: عَلِيٌّ قَالَ: (بَعَثَنِي النَّبيُّ صلعم فَقُمْتُ على الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي بقَسَمْةِ لُحُومِهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بقَسَمْةِ جِلالِهَا وَجُلُودِهَا، وَأَمَرَنِي أَنْ لا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا في جِزَارَتِهَا). [خ¦1716]
          وترجم له باب: يتصدَّق بجلود الهدي، وترجم له باب: يتصدَّق بجلال البدن. وزاد فيه: قال عَلِيٌّ: ((أهدي النَّبيُّ صلعم مائة بدنة، فأمرني بلحومها فقسمتها، ثمَّ أمرني بجلالها وجلودها فقسمتها)).
          اختلف العلماء في هذا الباب، فذهبت طائفة إلى الأخذ بهذا الحديث، وقالوا: لا يعطي الجزار منها شيئًا، هذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد، وأجاز الحسن البصريُّ أن يعطي الجزار الجلد.
          واختلفوا في بيع الجلد، فروي عن ابن عمر أنَّه لا بأس بأن يبيعه، ويتصدَّق بثمنه، وقاله أحمد وإسحاق.
          وقال أبو هريرة: من باع إهاب أضحيته فلا أضحية له، وقال ابن عبَّاس: يتصدَّق به أو ينتفع به، ولا يبيعه، وعن القاسم وسالم: لا يصلح بيع جلودها، وهو قول مالك، وقال النَّخَعِيُّ والحكم: لا بأس أن يشتري به الغربال والمنخل، ورخَّص أبو هريرة في بيعه، وقال عطاء: إن كان الهدي واجبًا تصدَّق بإهابه، وإن كان تطوُّعًا باعه إن شاء في الدَّيْن.
          وأمَّا من أجاز بيع جلودها، فإنَّما قال ذلك _والله أعلم_ قياسًا على إباحة الله الأكل منها، فكان بيع الجلد والانتفاع به تبعًا للأكل، وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه يجوز أكل لحمها، ولا يجوز بيعه بإجماع، والأصل في كلِّ ما أخرج لله تعالى أنَّه لا يجوز الرُّجوع في شيء منه، ولولا إباحة الله الأكل منها ما جاز أن يستباح، فوجب ألَّا يتعدَّى الأكل إلى البيع إلَّا بدليل لا مُعارِض له.
          قال المُهَلَّب: وإعطاء الجازر منها في جزارته عوضًا من فعله وذبحه فهو بيع، ولا يجوز بيع شيء من لحمها، فكذلك الجلد، وقال: ولا يخلو الإهاب من أن يكون مع سائر الشَّاة بإيجابها وذبحها فقد صار مسبَّلًا فيما سبِّلت به الأضحية، أو لم يَصِرْ مسبَّلاَ إذا كان عليه دين، فإن كان قد صار لِمَا جعله له فغير جائز صرفه أو صرف شيء منه إلَّا فيما سَبَّلَهُ، أو لم يصر ذلك فيما جعله له إذ كان عليه دين، فيكون إيجابه الشَّاة أضحية، وجِلْدها غير جلد أضحية، وذلك فيما لا يفعل في نظر ولا خبر.
          والصَّواب إن كان الدَّيْن على صاحب الأضحية والبدنة قبل إيجابها، ولم يكن عنده ما يقضي غريمه سوى الشَّاة أو البدنة، فإيجابه لها عندنا باطل، وملكه عليها ثابت، وله بيعها في دينه، إذ ليس عليه(1) إتلاف ماله، ولا صرفه في غير قضاء دينه.


[1] زاد في (ص) هنا كلمة: ((دين)) والمثبت من المطبوع.