شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب طواف الوداع

          ░144▒ باب: طَوَافِ الْوَدَاعِ /
          فيه: ابْنُ عَبَّاس قَالَ: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ). [خ¦1755]
          وفيه: أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلى الْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ). [خ¦1756]
          طواف الوداع لكلِّ حاجٍّ ومعتمرٍ لا يكون مكيًّا، من سنن الحجِّ وشعائره، قال مالك: وإنَّما أمر النَّاس أن يكون آخر نسكهم الطَّواف بالبيت لقول الله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج:32]وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:33].
          قال مالك: ومن أخَّر طواف الإفاضة إلى أيَّام منى فإنَّ له سعة أن يصدر إلى بلده وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض.
          واختلفوا فيمن خرج ولم يطف للوداع، فقال مالك: إن كان قريبًا رجع فطاف، وإن لم يرجع فلا شيء عليه.
          وقال عطاء والثَّوريُّ وأبو حنيفة والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور: إن كان قريبًا رجع فطاف، وإن تباعد مضى وأهراق دمًا.
          وحجَّتهم في إيجاب الدَّم قول ابن عبَّاس: من نسي من نسكه شيئًا فليهريق دمًا. والطَّواف نسك، وحجَّة مالك أنَّه طواف أسقط عن المكيِّ والحائض، فليس من السُّنن اللَّازمة، والذِّمة بريئة إلَّا بيقين، وسيأتي شيء من هذا المعنى في هذا الباب الذي بعد هذا إن شاء الله. [خ¦1757]
          واختلفوا في حدِّ القُرْب، فروي أنَّ ابن عمر رَدَّ رجلًا من مَرِّ الظَّهران لم يكن ودَّع، وبين مَرِّ الظَّهران ومكَّة ثمانية عشر ميلًا، وهذا بعيدٌ عند مالك، ولا يُردُّ أحدٌ من مثل هذا الموضع، وعند أبي حنيفة: يرجع ما لم يبلغ المواقيت، عند الشَّافعيِّ: يرجع من مسافة لا تقصر فيها الصَّلاة، وعند الثَّوريِّ: يرجع ما لم يخرج من الحرم.
          واختلفوا فيمن وَدَّع ثمَّ بدا له في شراء حوائجه، فقال عطاء: يعيد حتَّى يكون آخر عمله الطَّواف بالبيت. وبنحوه قال الثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأحمد وأبو ثور.
          قال مالك: لا بأس أن يشتري بعض حوائجه وطعامه في السُّوق، ولا شيء عليه، وإن أقام يومًا أو بعضه أعاد.
          وقال أبو حنيفة: لو ودَّع وأقام شهرًا أو أكثر أجزأه، ولم يكن عليه إعادة. وهذا خلاف حديث ابن عبَّاس: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكونَ آخِرَ عَهدِهِم الطَّوافُ بالبيتِ).