شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استلام الركن بالمحجن

          ░58▒ باب: اسْتِلامِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (طَافَ النَّبيُّ ◙ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ على بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ(1)). [خ¦1607]
          يحتمل أن يكون استلامه ◙ الرُّكن بمحجنه لشكوى كان به، وقد روى ذلك أبو داود في مصنَّفه، ورُوي في ذلك وجهٌ آخر، روى الطَّبريُّ من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: ((طَافَ رسولُ اللهِ صلعم حولَ البيتِ على بعيرٍ يستلمُ الرُّكن بمحجنِهِ، كراهيَةَ أنْ يصرفَ النَّاسَ عنهُ)). فترك الرَّسول(2) صلعم استلامه بيده إمَّا لشكواه(3)، وإمَّا كراهة أن يُضَيِّق على الطَّائفين ويزاحمهم ببعيره، فيؤذيهم بذلك، أو لهما جميعًا، فركب راحلته وأشار بالمحجن، وقد رُوي في ذلك وجه ثالث سأذكره في باب التَّكبير عند الرُّكن إن شاء الله تعالى. [خ¦1613]
          قال المُهَلَّب: واستلام الرَّسول(4) صلعم الرُّكن(5) بمحجنه يدلُّ على(6) أنَّ استلام الرُّكن ليس بفرض، وإنَّما هو سنَّة من النَّبيِّ، ألا ترى قول عمر: (لَولَا أنِّي رَأيتُ رسولَ اللهِ قبَّلَكَ مَا قبَّلتُكَ)(7)، وسيأتي الطَّواف على الدَّابَّة بعد هذا في موضعه إن شاء الله تعالى. [خ¦1632] [خ¦1633]
          وقال أبو عبيد: قال الأصمعيُّ: المحجن العصا المعوجَّة الرَّأس. وقال صاحب «العين»: هي عصا يجتذب بها العاسل ما نأى عنه من الشَّهد معوجَّة الرأس.
          قال الطَّبريُّ: ومنه قولهم: احتجن فلان كذا، إذا أخذه، وأصله إمالته إلى(8) نفسه، كالمحجن الَّذي أُميل طرفه إلى معظَمِهِ(9) وعُطِفَ عَلَيْهِ.
          قال الطَّبريُّ: وقوله: (يَستَلِمُ) يعني يصيب السِّلام(10)، والسِّلام هو الحجر، وإنَّما يستلم يستفعل منه، فمعنى الكلام: طاف النَّبيُّ صلعم على راحلته يومئ بالمحجن الَّذي معه إلى الحجر الأسود حتَّى يصيبه ويكبِّر، ثمَّ يقبِّل من محجنه الموضع الَّذي أصاب الحجر منه.


[1] في (م): ((بمحجنه)).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] في (م): ((لشكوى)).
[4] في (م): ((النبي)).
[5] في (م): ((الحجر)).
[6] قوله: ((على)) ليس في (م).
[7] قوله: من النبي؛ ألا ترى قول عمر: (لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك) ليس في (م).
[8] في (م): ((عن)).
[9] في (م): ((معطفه)).
[10] في (ز): ((السلم)) والمثبت من (م).