شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

          ░86▒ باب: التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إلى عَرَفَات.
          فيه: مُحَمَّدُ بْنُ أبي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ: (أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ، كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ في هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللهِ؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ، فَلا يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ، فَلا يُنْكِرُ عَلَيْهِ). [خ¦1659]
          قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: في هذا الحديث ابتداء قطع التَّلبية من الغُدُوِّ من منًى، وآخرها رمي جمرة العقبة في حديث الفضل وأسامة وابن مسعود عن النَّبيِّ صلعم، والذي مضى عليه جمهور العلماء من أصحاب النَّبيِّ صلعم وأهل المدينة اختيار قطعها عند الرَّواح إلى عرفة؛ لأنَّهم فهموا أنَّ تعجيل قطعها وتأخيره على الإباحة، يدلُّ على ذلك ترك إنكار بعضهم على بعض، وهم فهموا السُّنن وتلقَّوها، فوجب الاقتداء بهم واختيارهم؛ لأنَّا أمرنا باتِّباعهم.
          قال الطَّحاويُّ: لا حجَّة لكم في هذا الحديث؛ لأنَّ فيه أنَّ بعضهم كان يهلُّ، وبعضهم كان يكبِّر، ولا يمنع أن يكونوا فعلوا ذلك، ولهم أن يلبُّوا لأنَّ للحاجِّ فيما قبل يوم عرفة أن يكبِّر، وله أن يهلَّ، وله أن يلبِّي، فلم يكن تكبيره وإهلاله يمنعانه من التَّلبية.
          وقال المُهَلَّب: وجه قطع التَّلبية عند الرَّواح إلى الموقف من عرفة؛ لأنَّه آخر السَّفر، وإليه منتهى الحاجِّ، وما بعد ذلك فهو رجوع فالتَّكبير فيه أولى لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}[البقرة:198]، وقال: {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ على مَا هَدَاكُمْ}[البقرة:185]فدلَّ هذا على أنَّ التَّكبير والدُّعاء لله عند المشعر الحرام وأيَّام منًى أولى من التَّلبية؛ لأنَّ معنى التَّلبية الإجابة، وإذا بلغ موضع النِّداء قطع التَّلبية وأخذ في الدُّعاء وسأل الله حاجاته، وسأذكر اختلافهم في قطع التَّلبية في حديث الفضل وأسامة بعد هذا إن شاء الله. [خ¦1669] [خ¦1670]