شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المحصب

          ░147▒ باب: الْمُحَصَّبِِ
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلًا يَنْزِلُهُ النَّبيُّ صلعم لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ). يعني بِالأبْطَحِ. [خ¦1765]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللهِ). [خ¦1766]
          المُحَصَّب: هو الأبطح، وهو المعرَّس، وهو خيف منى المذكور في حديث أبي هريرة (أنَّ النَّبيَّ صلعم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة) يعني: المحصَّب.
          وقد ذكرنا في الباب قبل هذا عن أبي بكر وعمر وعثمان أنَّهم كانوا ينزلون به، وقال عُمَر بن الخطَّاب: حصِّبوا، يعني: انزلوا بالمحصَّب، وكان ابن عمر ينزل به، وعن النَّخَعِيِّ وطاووس مثله، واستحبَّ النَّخَعِيُّ وطاوس / أن ينام فيه نومة، وقول عائشة وابن عبَّاس: (إنَّما هو منزل نزله رسول الله) يدلُّ أنَّه ليس من مناسك الحجِّ، وأنَّه لا شيء على من تركه، وهذا معنى قوله: ليس التَّحصيب بشيء. أي: ليس من المناسك التي تلزم النَّاس، وكانت عائشة لا تحصِّب ولا أسماء، وهو مذهب عروة.
          قال الطَّحاويُّ: لم يكن نزوله ◙ بالمحصَّب لأنَّه سنَّة، وقد اختلف في معناه، فقالت عائشة: ليكون أسمح لخروجه.
          قال المؤلِّف: يريد للمدينة ليستوي في ذلك(1) البطيء والمعتدل(2) ويكون مبيتهم وقيامهم في السَّحر، ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة. وروي عن أبي رافع أنَّه قال: ((أمرني رسول الله أن أضرب له الخيمة، ولم يأمرني بمكان بعينه، فضربتها بالمحصَّب)) رواه سفيان، عن صالح بن كَيْسان، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع. وروى ابن أبي ذئب عن شعبة، أن ابن عبَّاس قال: إنَّما كانت الحصبة؛ لأنَّ العرب كانت يخاف بعضها بعضًا، فيرتادون فيخرجون جميعًا، فجرى النَّاس عليها.


[1] قوله: ((ذلك)) ليس في (ص) زيادة من المطبوع.
[2] في (ص): ((والمتعذر)) والمثبت من المطبوع.