شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك

          ░67▒ باب: لا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلا يَحُجُّ مُشْرِكٌ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعَثَهُ في الْحَجَّةِ الَّتي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلعم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ في رَهْطٍ يُؤَذِّنُ في النَّاسِ: أَلا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ). [خ¦1622]
          قال المُهَلَّب: أراد(1) ◙ أن يُنظَّف(2) البيت من المشركين والعراة، ويكون حجُّه لهم(3) / على نظافة البيت(4) من هاتين الطَّائفتين، وقد اختلف النَّاس في حجَّة أبي بكرٍ هذه إن كانت حجَّة الإسلام بعد نزول فرضه لقوله(5) تعالى: {وَلِلّهِ على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}(6)[آل عِمْرَان:97]وإن(7) كانت على حجِّ الجاهليَّة ومواسمها، والَّذي يعطي النَّظر أنَّ حجَّة أبي بكر بالنَّاس كانت حجَّة الإسلام وبعد(8) نزول فرضه لأنَّ وقوفه كان بعرفة(9) مع النَّاس كافَّة، وإنَّما كان الحُمس _وهم قريش_ يقفون بالمشعر الحرام، فلمَّا خالف أبو بكر العادة بقريش، وأخرجهم من الحرم إلى عرفات، دلَّ أنَّه إنَّما وقف بأمر رسول الله صلعم، فإنَّ النَّبيَّ ◙(10) إنَّما امتثل قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[البقرة:199]يعني العرب كافَّة، وقوله تعالى هذا هو متقدِّم بفرض الحجِّ ووصف شرائعه كلِّها.
          فثبت بهذا أنَّ حجَّة أبي بكر على حجِّ الإسلام، مع أنَّه أيضًا حجَّ في ذي الحجَّة، وكانت العرب لا تتوخَّى بحجِّها إلَّا(11) ما كانت عليه من النَّسيء، يحلُّونه عامًا ثمَّ يحرِّمونه(12) عامًا آخر، ودليل آخر أنَّه يحجُّ بحجَّة(13) الإسلام بعد(14) نزول فرضه، بعثتُه ◙ لعليٍّ في أثره لينادي المشركين ببراءة، ولينبذ إليهم عهدهم بكتاب الله، وكذلك أمره ألَّا يطوف عريان ولا يحجَّ مشرك لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة:28]وفي هذه السُّورة ذكر النَّسيء وذكر شرائع الحجِّ، وهذا يدلُّ أنَّ الحجَّ لازم للمسلمين، ليس على الفور ولا على وقت معيَّن كالصَّلاة والزَّكاة والصِّيام، بل في العمر كلِّه مرَّة(15) متى وَجد إليه سبيلًا، لا يتعلَّق بوقتٍ دون وقتٍ لأنَّ الرَّسول(16) ◙ لم يحجَّ عند(17) نزول فرض الحجِّ عليه، بل أخَّر ذلك إلى عام آخر.
          قال ابن خُوَاز بَندَاد: وقد اختلف في هذه المسألة أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشَّافعيِّ على قولين، فقال مالك: إذا كانت المرأة صرورة أُجبر الزَّوج على الإذن لها في الحجِّ ولا تعجل عليه وتؤخِّر عامًا بعد عام.
          قال: وسُئل سَحنون عن الرَّجل يجد ما يحجُّ به فيؤخِّر ذلك سنين كثيرة مع قدرته على الحجِّ، هل يفسَّق بتأخيره الحجَّ وتُردُّ شهادته؟ قال(18): لا يفسَّق وإن مضى من عمره ستُّون سنة يؤخِّر فيها الحجَّ وهو قادر على فعله، فإذا جاوز السِّتِّين سنة فسِّق ورُدَّت شهادته، قال: وتحصيل مذهبنا أنَّ الحجَّ يجوز تأخيره مع القدرة عليه، ورأينا(19) أصحابنا العراقيِّين من المالكيِّين يقولون: هو على الفور، ولا يجوز تأخيره مع القدرة، وهو قول أبي يوسف والمزنيِّ، ورُوي عن محمَّد بن الحسن أنَّه على التَّراخي، وكذلك رُوي عن أصحاب الشَّافعيِّ القولان جميعًا.


[1] زاد في (م): ((النبي)).
[2] زاد في (م): ((له)).
[3] قوله ((لهم)) ليس في (م).
[4] في (م): ((الحرم)).
[5] في (م): ((بقوله)).
[6] زاد في (م): ((من استطاع إليه سبيلًا)).
[7] في (م): ((أو إن)).
[8] في (ص): ((بعد)).
[9] في (ص): ((بعرفة كان)) ووضع عليها علامتا التقديم والتأخير لتصبح كالمثبت في المتن.
[10] العبارة في (م): ((وأنه ◙)).
[11] زاد في (م): ((على)).
[12] في (م): ((يحلون شهرًا عامًا ويحرمونه)).
[13] في (م): ((أنه حج حجة)).
[14] في (م): ((وبعد)).
[15] قوله ((مرة)) ليس في (م).
[16] في (م): ((النبي)).
[17] زاد في (م): ((فور))، وفي المطبوع: ((لم يحج عند فور نزول)).
[18] في (م): ((فقال)).
[19] في (م): ((ورأيت)).