شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ذات عرق لأهل العراق

          ░13▒ باب: ذَاتُ عِرْقٍ لأهْلِ الْعِرَاقِ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ(1): (لَمَّا فُتِحَ(2) هَذَانِ الْمِصْرَانِ، أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ(3) ◙ حَدَّ لأهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا(4)، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ(5) أَرَدْنَا قَرْنًا(6) شَقَّ ذلك عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ). [خ¦1531]
          اختلف العلماء في ميقات أهل العراق، فقال مالك والكوفيُّون وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ: ميقاتهم ذات عرقٍ، وقالت طائفة: ميقاتهم العقيق، رُوي ذلك عن أنسٍ(7)، واستحبَّه الشَّافعيُّ.
          قال ابن المنذر: والإحرام من العقيق أفضل(8)، ومن ذات عرق يجزئ، وكان القاسم بن عبد الرَّحمن / وخُصَيف يحرمان من الرَّبَذة، وهو قول الحسن بن صالح، ولولا سنَّة عمر لكان هذا أشبه بالنَّظر لأن المعنى عندهم في ذات عرق أنَّه بإزاء قرن، والرَّبذة بإزاء ذي الحليفة، غير أنَّ عمر لمَّا سنَّ ذات عرق وتبعَه عليه مَن حجَّ من أهل العراق، فمرَّ بذلك العمل(9) من أصحاب رسول الله صلعم والتَّابعين وعوامِّ أهل العلم إلى اليوم كان أولى بالاتِّباع.
          واختلفوا فيمن وَقَّتَ لهم ذات عرق، فقالت طائفة: وقَّته عُمَر بن الخطَّاب، واحتجُّوا بهذا الحديث، وهو قول ابن عبَّاس وابن عمر وعطاء، وقال آخرون: بل وقَّت رسول الله صلعم لهم العقيق وذات عرق، كما وقَّت لأهل الشَّام الجحفة، والشَّام كلُّها يومئذٍ دار كفر كما كانت العراق، فوقَّت المواقيت لأهل النَّواحي لأنَّه علم أنَّه سيفتح الله على أمَّته الشَّام والعراق وغيرها من البلاد لقوله ◙: ((وَسيَبلغُ ملكُ أمَّتي مَا زُويَ لي مِنْها)).
          واحتجُّوا بما رواه أبو داود قال: حدَّثنا هشام بن بَهْرَام: حدَّثنا المعافى: حدَّثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت: ((وَقَّتَ رسولُ الله صلعم لأَهلِ العراقِ ذاتَ عِرقٍ)). وهو قول جابر بن عبد الله، وروى الثَّوريُّ عن يزيد بن أبي زياد، عن محمَّد بن عليٍّ، عن ابن عبَّاسٍ قال: ((وقَّتَ رسولُ الله صلعم لأَهلِ المشرقِ العَقِيقَ)). وهذا اختلاف، قال ابن المنذر: ولا يثبت في ذلك عن الرَّسول(10) صلعم سنَّة.
          قال المُهَلَّب: وفي قول عمر: (فَانْظُرُوا(11) حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُم) إباحة القياس على السُّنن المعروفة الحكم بالتَّشبيه والتَّمثيل، يدلُّ على ذلك ما رواه عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنَّه قال: لمَّا وقَّت قرن لأهل نجد، قال عمر: قيسوا من نحو العراق كنحو قرن. فاختلفوا في القياس، فقال بعضهم: ذات عرقٍ، وقال بعضهم: بطن العقيق، قال ابن عمر: فقاس النَّاس ذلك. والنَّاس حينئذٍ هم علماء الصَّحابة الَّذين هم حجَّة على من خالفهم.
          وقولهم لعمر(12): (وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا) يعنون هو منحرف ومنعدل عنه، ومنه قوله تعالى: {وَعلى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ}[النحل:9]يعني غير قاصد.
          قال الرَّاجز:
فَجَـارَ عَـنْ نَهـجِ الطَّريـقِ القَاصِـدِ
          ومنه جار السُّلطان إذا عدل في حكمه عن الحقِّ إلى الباطل.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((افتتح)).
[3] في (م): ((النبي)).
[4] صورتها في (ز): ((قرن)).
[5] في (م): ((طريقنا فإن)).
[6] صورتها في (ز) و(ص): ((قرن))، وفي (ص): ((قرن شق علينا)).
[7] زاد في (م): ((بن مالك)).
[8] في (م): ((أحوط)).
[9] في (م): ((الطريق)).
[10] في (م): ((النبي)).
[11] في (م): ((انظروا)).
[12] قوله: ((لعمر)) ليس في (م).