شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كيف كان بدء الرمل

          ░55▒ باب: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ؟
          فيه: ابْن عَبَّاسٍ: (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ وَهَنَتهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، وأَمَرَهُمُ(1) النَّبيُّ صلعم أَنْ(2) يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ(3) يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ). [خ¦1602]
          ذكر ابن أبي شيبة قال: حدَّثنا عبد الأعلى، عن الجُرَيريِّ، عن أبي الطُّفيل قال: قلت لابن عبَّاس: ألا تحدُّثني عن الرَّمل، فإنَّ قومك زعموا أنَّه سنَّة، قال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا وكذبوا؟! قال: ((قدمَ رسولُ الله صلعم مكَّةَ فقالَ أهلُ مكَّةَ: إنَ محمَّدًا وأصحابَهُ لا يستطيعونَ أنْ يطوفوا مِنَ الهزلِ(4)، وأهلُ مكَّة ناسٌ حُسَّدٌ، فبلغَ ذلكَ النَّبيَّ ◙ فاشتدَّ عليهِ فقال: أَرُوهُمُ اليومَ منكم ما يكرهونَ، قالَ: فرملَ رسولُ اللهِ صلعم وأصحابُهُ الثَّلاثةَ الأشواطَ، ومشَوا الأربعَة)).
          وروى فطر عن أبي الطُّفيل، عن ابن عبَّاس: ((فكانَ رسولُ الله صلعم يرملُ مِنَ الحجرِ الأسودِ إلى الرُّكنِ اليماني، فإذَا توارَى عنهم مَشَى)). ففي هذا الحديث أنَّ الرَّمل كان من أَجْلِهم، لا لأنَّه سنَّة.
          قال المُهَلَّب: وفيه من الفقه أنَّ(5) إظهار القوَّة للعدوِ في الأجسام والعدَّة والسِّلاح، ومفارقة الهدوء والوقار في ذلك من السُّنَّة، كما أمر النَبيُّ صلعم بالخَبِّ في الثَّلاثة الأشواط(6)، ومثله إباحته ◙ الحبشة(7) اللَّعب في المسجد بالحراب لهذا المعنى، والمسجد ليس بموضع لعب، بل هو موضع(8) وقار وخشوع لله تعالى، لكن لمَّا كان من باب القوَّة والعدَّة والرَّهبة على المنافقين وأهل الكتاب المجاورين لهم أباحه في المسجد لأنَّه أمر من أمر جماعة المسلمين، والمسجد لجماعة المسلمين، وقال صاحب «الأفعال»: رَمَل رَمَلًا: أسرع في المشي(9)، وقال صاحب «العين»: الرَّمل: ضرب من المشي، والشَّوْط: جري مرَّة إلى الغاية، والجمع أشواط، وقال الطَّبريُّ: يُقال: شوط(10) يشوط شوطًا(11)، إذا عدا غَلْوَةً(12) بعيدة.


[1] في (م): ((فأمرهم)).
[2] في (م): ((بأن)).
[3] قوله: ((يمنعه أن)) ليس في (ز) والنسخة المصرية، وهو مثبت من (م).
[4] في (م): ((الهزال)).
[5] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[6] في (م): ((صلعم بالخب علي... في الأشواط الثلاثة)).
[7] في (م): ((للحبشة)).
[8] قوله: ((موضع)) ليس في (ز) والنسخة المصرية، وهو مثبت من (م).
[9] في (م): ((السير)).
[10] في المطبوع: ((شاط)).
[11] العبارة في (م): ((يقال لما يشوط)).
[12] غير واضحة في (ز)، ولعلها ((غدوة)).