شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لبى بالحج وسماه

          ░35▒ باب: مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ.
          فيه: جَابِرٌ: (قَدِمْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً). [خ¦1570]
          وفيه: عِمْرَانُ: (تَمَتَّعْنَا على عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ). [خ¦1571]
          قال المؤلِّف: السُّنَّة لمن أراد(1) الحجَّ أن ينويه ويسمِّيه عند التَّلبية به، وكذلك في التَّمتُّع والقِران، وعلى هذا جمهور الفقهاء لقوله ◙: ((الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) وهذا الباب خلافٌ على الشَّافعيِّ، فإنَّه يجيز أن ينعقد الحجُّ بإحرامٍ من غير تعيين إفرادٍ أو قِرانٍ أو تمتُّعٍ، وقد تقدَّم هذا مستقصًى في باب: من أهلَّ في زمن النَّبيِّ ◙ كإهلال النَّبيِّ صلعم. [خ¦1557]
          ومعنى حديث عِمْرَان في هذا الباب كمعنى حديث جابر في التَّلبية بالحجِّ والتَّسمية له، ووجه ذلك أنَّ عِمْرَان لم يكن ليقدم على القول عن نفسه وعن أصحابه أنَّهم تمتَّعوا على عهد رسول الله(2) صلعم إلَّا وأنَّهم قد أسمع بعضهم بعضًا تلبيتهم(3) للحجِّ وتسميتهم له، ولولا ما تقدَّم لهم قبل تمتُّعهم من تسمية الحجِّ والإهلال به لم يعلم عِمْرَان إن كانوا قصدوا مكَّة بحجٍّ أو عمْرة، إذ عملهما واحد إلى موضع الفسخ، والفسخ لم يكن حينئذٍ إلَّا للمفردين بالحجِّ، وهم الَّذين تمتَّعوا بالعمرة ثمَّ حلُّوا ثمَّ أحرموا بالحجِ، فدلَّ هذا كلُّه على أنَّه لا بدَّ من تعيين الحجِّ أو العمرة عند الإهلال، وإن كان(4) ذلك مفتقرًا إلى النِّيَّة عند الدُّخول فيه.
          قال المُهَلَّب: وقول عِمْرَان: (تَمتَّعنَا على عَهدِ النَّبيِّ(5) صلعم ونَزلَ القُرآنُ) فإنَّه يريد أنَّ التَّمتُّع والقِران معمولٌ به على عهد الرَّسول(6) صلعم لم ينسخه شيءٌ، ونزل القرآن بإباحة العمرة في أشهر الحجِّ في قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة:196].
          وقوله: (قَالَ رَجلٌ بِرَأيِهِ مَا شَاءَ) يعني من تركه والأخذ(7) به، وأنَّ الرَّأي بعد النَّبيِ ◙ باختيار(8) الإفراد لا ينسخ ما سَنَّهُ من التَّمتُّع والقِرانِ.


[1] قوله: ((لمن أراد)) ليس في (م).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] في (م): ((بتلبيتهم)).
[4] قوله: ((كان)) ليس في (م).
[5] في (م): ((رسول الله)).
[6] في (م): ((رسول الله)).
[7] في (م): ((أو الأخذ)).
[8] في (م): ((فاختيار)).