شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ذكر في الحجر الأسود

          ░50▒ باب: مَا ذُكِرَ في الْحَجَرِ الأسْوَدِ.
          فيه: عُمَرُ: (أَنَّهُ جَاءَ إلى الْحَجَرِ الأسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ(1) أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رسُول الله صلعم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ). [خ¦1597]
          قال الطَّبريُّ: إنَّما قال ذلك عمر _والله أعلم_ لأنَّ النَّاس كانوا حديث عهد بعبادة الأصنام، فخشي(2) ☺ أن يظنَّ الجهال أنَّ استلام الحجر هو مثل ما كانت العرب تفعله في الجاهليَّة، فأراد عمر أن يعلم أنَّ استلامه لا يقصد به إلَّا تعظيم الله تعالى والوقوف عند أمر نبيِّه ◙ إذ ذلك من شعائر الحجِّ الَّتي أمر الله تعالى بتعظيمها، وأنَّ استلامه مخالف لفعل(3) الجاهليَّة في عبادتهم الأصنام لأنَّهم كانوا يعتقدون أنَّها تقربُّهم إلى الله زلفى، فنبَّه عمر ☺ على مجانبة هذا الاعتقاد، وأنَّه لا ينبغي أن يعبد إلَّا من يملك الضَّرَّ والنَّفع، وهو الله تعالى.
          وقال المُهَلَّب: حديث عمر هذا يردُّ قول من قال: إنَّ الحجر يمين الله في الأرض، يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله تعالى جارحةٌ مجسمَّةٌ(4)، وإنَّما شرع النَّبيُّ صلعم تقبيله على ما كانت شريعة إبراهيم ◙ مع أنَّ معناه التَّذلُّل لله والخضوع، والائتمار لما أمر به على لسان نبيٍّ من أنبيائه، وليعلم عيانًا ومشاهدة طاعة من أطاع أمره، وعصيان من أبى من امتثاله، وهي شبيهة بقصَّة إبليس فيما أُمر به من السُّجود لآدم اختبارًا له.
          ورُوي عن ابن عبَّاسٍ أنَّ استلام الحجر مبايعة الله ╡. وقال مالك في «المجموعة»: إذا استقبل الرُّكن حمد الله وكبَّر. وقيل: أيرفع(5) يديه عنده؟ قال: ما سمعت، ولا عند رؤية البيت.


[1] في (م): ((لأعلم)).
[2] زاد في (م): ((عمر)).
[3] زاد في (م): ((أهل)).
[4] زاد في (م): ((بائنة عن ذاته)).
[5] في (م): ((وكبر قبل أن يرفع)).