شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وقف في الطواف

          ░68▒ باب: إِذَا وَقَفَ في الطَّوَافِ.
          وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ(1) حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ(2) فَيَبْنِي(3)، وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بَكْرٍ.
          طَافَ النَّبيُّ صلعم وَصلَّى لِسُبُوعِهِ(4) رَكْعَتَيْنِ.
          وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ(5) رَكْعَتَيْنِ.
          وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، قَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبيُّ صلعم سُبُوعًا قَطُّ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
          فيه: عمرٌو(6): (سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ أَيَقَعُ الرَّجُلُ على امْرَأَتِهِ في الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ(7) صلعم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وَسَأَلْتُ جَابِرًا فَقَالَ: لا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ). [خ¦1623] [خ¦1624]
          وترجم له: باب من صلَّى ركعتي الطَّواف خلف المقام.
          قال المؤلِّف: قال مالك: لا ينبغي الوقوف ولا الجلوس في الطَّواف، فإن فعل منه شيئًا بنى فيما خفَّ ولم يتطاول وأجزأه.
          وقال نافع: ما رأيت ابن عمر قائمًا قطُّ إلَّا عند استلام(8) الرُّكن، وقال عَمْرو بن دينار: رأيت ابن الزُّبير يطوف فيسرع، قال نافع: ويُقال: القيام في الطَّواف بدعة، وطاف ابن عمر في يوم حارٍ ثمَّ قعد في الحجر، ثمَّ استراح، ثمَّ أتى ما بقي، وأجاز عطاء أن يجلس ويستريح في الطَّواف، فإن قيل: فما معنى ذكره ((أنَّ النَّبيَّ ◙ طافَ لِسُبوِعِه وصلَّى رَكعَتَينِ)) في باب إذا وقف في الطَّواف؟ قيل: معناه _والله أعلم_ / أنَّه صلعم حين طاف وركع بأثره ركعتين لم يُحفظ عنه أنَّه وقف ولا جلس في طوافه.
          ولذلك قال نافع: إنَّ القيام فيه بدعة إلَّا أنَّ يضعف فلا بأس بالوقوف والقعود(9) اليسير فيه للرَّاحة، ويبني عليه، وإنَّما كره العلماء القعود فيه والوقوف(10) لغير عذرٍ _والله أعلم_ لأنَّ من أجاب دعوة أبيه إبراهيم على بُعْدِ الشُّقَّة وشدَّة المشقَّة لا يصلح إذا(11) بلغ(12) العمل أن يتوانى فيه بوقوف أو قعود لغير عذر، ولهذا المعنى _والله أعلم_ كان ابن الزُّبير يسرع في طوافه.
          وجمهور العلماء يرون لمن أُقيمت عليه الصَّلاة البناء على طوافه إذا فرغ من صلاته، رُوي ذلك عن ابن عمر وعطاء والنَّخعيِّ وابن المسيِّب وطاوس، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ إلَّا الحسن البصريَّ فإنَّه قال: يبتدئ الطَّواف.
          قال ابن المنذر: وحجَّة الجماعة أنَّ الخارج إلى الصَّلاة المكتوبة معذور قد حيل بينه وبين أن يتمَّ طوافه، فإذا فرغ وجد(13) السَّبيل إلى إكماله أكمله، وغير جائز أن يبطل عمل الطَّائف بغير حجَّة.
          وفي المسألة خلاف آخر ذكره(14) عبد الرَّزَّاق عن أبي الشَّعثاء، أنَّه أُقيمت عليه الصَّلاة وطاف خمسة أطواف فلم يتمَّ ما بقي، وعن سعيد بن جبير مثله، وعن عطاء: إن كان الطَّواف تطوُّعًا وخرج في وتر(15) فإنَّه يجزئ عنه، وكذلك إن عرضت له حاجة فخرج فيها.
          وعن ابن عبَّاس: من بدت له حاجة فخرج لها فليخرج على(16) وتر من طوافه، ويركع ركعتين ولا يَعُدْ(17) لبقيَّته.
          وقال مالك: من طاف بعض طوافه ثمَّ خرج للصَّلاة(18) على جنازة، أو خرج لنفقة نسيها، فليستأنف(19) الطَّواف ولا يبني، ولا يخرج من طوافه لشيء إلَّا لصلاة(20) الفريضة، وهو قول الشَّافعيِّ وأبي ثور، وقال أشهب: يبني إذا صلَّى على جنازة، وهو قول أبي حنيفة، وقال ابن المنذر: لا يخرج من بِرٍّ هو فيه إلى بِرٍّ، وليتمَّ طوافَه.
          واختلف العلماء فيمن طاف سبوعًا(21) ثمَّ وافق صلاة(22) مكتوبة هل تجزئه من ركعتي الطَّواف؟ فرُوي عن ابن عمر أنَّه أجاز ذلك خلاف ما ذكره البخاريُّ عنه أنَّه كان يفعله، ورُوي مثله عن سالم وعطاء وأبي الشَّعثاء، قال أبو الشَّعثاء: ولو طاف خمسة. وقال الزُّهري ومالك وأبو حنيفة: لا يجزئه.
          قال ابن المنذر: ويشبه مذهب الشَّافعيِّ، وهو قول أبي ثور، واحتجاج ابن شهاب على عطاء في هذا الباب بأنَّ النَّبيَّ صلعم لم يطف سبعًا(23) قطُّ إلَّا صلَّى ركعتين في أنَّه لا تجزئه(24) المكتوبة من ركعتي الطَّواف مغنٍ عن غيره، وكان طاوس يصلِّي لكلِّ سبوع أربع ركعات، فذكر ذلك لابن جُريج فقال: حدَّثنا(25) عطاء أنَّ رسول الله صلعم كان يصلِّي على كلِّ سُبوعٍ(26) ركعتين. وعلى هذا مذاهب الفقهاء.
          قال ابن المنذر: ثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم طاف بالبيت سبعًا وصلَّى ركعتين. وأجمعوا أنَّ من فعل فعله ◙ فهو متَّبع للسنَّة، ورخَّصت طائفةٌ أن يجمع أسابيع ثمَّ يركع لها كلِّها، رُوي ذلك عن عائشة وعطاء وطاوس، وبه قال أبو يوسف وأحمد وإسحاق، وكره ذلك ابن عمر والحسن البصريُّ وعروة والزُّهريُّ، وهو قول مالك والكوفيِّين وأبي ثور، وهذا القول أولى لأنَّ فاعله متَّبع للسُّنَّة(27).
          قال ابن المنذر: وأرجو أن يجزئ القول الأوَّل، وهو كمن صلَّى وعليه صلاةٌ قبلها، أو طاف(28) وعليه صلاةٌ ثمَّ صلَّاها بعد طوافه، قال: وثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى ركعتي الطَّواف عند المقام.
          وأجمع العلماء أنَّ الطَّائف يجوز أن(29) يركعهما حيث شاء إلَّا مالكًا فإنَّه كره أن يركعهما في الحجر، وقد صلَّى ابن عمر ركعتي الطَّواف في البيت، وصلَّاهما ابن الزُّبير في الحجر، قال مالك: ومن(30) صلَّى ركعتي الطَّواف الواجبة(31) في الحجر أعاد للطَّواف والسَّعي بين الصَّفا والمروة، وإن لم يركعهما حتَّى يبلغ بلده(32) أهراق دمًا ولا إعادة عليه.
          قال ابن المنذر: ولا يخلو من صلَّى في الحجر ركوع(33) الطَّواف أن يكون قد(34) صلَّاهما، فلا إعادة عليه، أو يكون في معنى من لم يصلِّهما فعليه أن يعيد أبدًا، فأمَّا أن يكون بمكَّة في معنى من لم يصلِّهما وإن رجع إلى بلاده في معنى من قد صلَّاهما، فلا أعلم لقائله حجَّة في التَّفريق بين ذلك، ولا أعلم الدَّم يجب في شيء من أبواب الطَّواف.


[1] زاد في (م): ((إلى)).
[2] قوله ((عليه)) ليس في (م).
[3] قوله: ((فيبني)) ليس في (ص).
[4] في (م): ((صلعم أسبوعه وصلى ركعتين))، وفي المطبوع من الصحيح: ((باب: صلى النبي صلعم لسبوعه ركعتين))، وفي (ص): كالمثبت في المتن.
[5] في (ز) و(ص): ((سبوعي)) والمثبت من (م).
[6] في (ز) و(ص): ((فيه عمر)) والمثبت من (م).
[7] في (م): ((النبي)).
[8] قوله: ((استلام)) والمثبت من (م) قوله: ((استلام)) ليس في (ص).
[9] في (م): ((أو القعود)).
[10] العبارة في (م): ((الوقوف والقعود فيه)).
[11] في (م): ((إذ)).
[12] زاد في (م): ((إلى)).
[13] في (م): ((ووجد)).
[14] في (م): ((ذكر)).
[15] زاد في (م): ((منه)).
[16] في (م): ((في)).
[17] صورتها في (ز): ((يعيد)).
[18] في (ز): ((لصلاة)) والمثبت من (م).
[19] في (م): ((فليبتدئ)).
[20] في (ز): ((الصلاة)) والمثبت من (م).
[21] في (م): ((سبعًا)).
[22] زاد في (م): ((صلاة)).
[23] في (م): ((سبوعًا)).
[24] في (م): ((تجزي)).
[25] في (م): ((حدثني)).
[26] في (م): ((سبع)).
[27] زاد في (م): ((لسنة رسول الله صلعم)).
[28] في (م): ((وطاف)).
[29] قوله ((يجوز أن)) ليس في (م).
[30] في (م): ((وإن)).
[31] في (م): ((الواجب)).
[32] العبارة في (م): ((بلغ بلاده)).
[33] في (م): ((ركعتي)).
[34] في (ز): ((من)) والمثبت من (م).