شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من كبر في نواحي الكعبة

          ░54▒ باب: مَنْ كَبَّرَ في نَوَاحِي الْكَعْبَةِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم لَمَّا قَدِمَ(1) أَبَى أَنْ يَدْخُلَ(2) الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، وأَخْرَجُوا(3) صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ في أَيْدِيهِمَا(4) الأزْلامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: قَاتَلَهُمُ اللهُ، أَمَا وَاللهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا(5) بِهَا قَطُّ، فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ في نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ). [خ¦1601]
          قد تقدَّم في باب الصَّلاة في الكعبة، [خ¦1599] وفي كتاب الصَّلاة [خ¦395] أنَّ النَّاس تركوا رواية ابن عبَّاس وأسامة، وأخذوا بقول بلال: (أنَّهُ ◙ صلَّى في الكعبةِ) وقد رُوي عن ابن عبَّاس في هذه المسألة أنَّه(6) قال: فترك النَّاس قولي، وأخذوا بقول بلال. فهذا يدلُّ على(7) أنَّ العمل على الحكم المثبت(8) وقد ترك(9) النَّافي، وعليه جمهور الفقهاء.
          وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّه يجب على العالم والرَّجل الفاضل اجتناب مواضع الباطل، وألَّا يشهد مجالس الزُّور، وينزِّه نفسه عن ذلك.
          قال الطَّبريُّ: وفيه من الفقه الإبانة عن كراهة دخول النَّبيِّ ◙(10) بيتًا فيه صورة، وذلك لأنَّ(11) الآلهة الَّتي كانت في البيت يومئذٍ إنَّما كانت تماثيل وصورًا، وقد تظاهرت الأخبار عنه ◙ أنَّه كان يكره دخول بيت(12) فيه صورة، فإن قال قائل: فحرامٌ(13) دخول البيت الَّذي فيه(14) التَّماثيل والصُّور؟ قيل: لا، ولكنَّه مكروه، وسأتقصَّى الكلام في ذلك في كتاب اللِّباس والزِّينة في باب من كره القعود على الصُّور، [خ¦5958] وفي(15) باب لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة إن شاء الله تعالى. [خ¦5960]
          قال الطَّبريُّ: والأزلام جمع زُلَم، ويقال: زَلَم، وهي قداح كانت الجاهليَّة يتَّخذونها يكتبون على بعضها: نهاني ربِّي، وعلى بعضها: أمرني ربِي، وعلى بعضها(16): نعم، وعلى بعضها: لا، فإذا أراد أحدهم سفرًا أو غير ذلك، دفعوها إلى بعضهم حتَّى يقبضها، فإن خرج القدح الَّذي عليه أمرني ربِّي مضى، وإن خرج الَّذي عليه مكتوب نهاني ربِّي كَفَّ عن الَّذي أراد من العمل.
          والاستقسام الاستفعال من قسم الرِّزق والحاجات، وذلك طلب أخذهم(17) بالأزلام على ما قسم له في حاجته الَّتي يلتمسها من نجاحٍ(18) أو حرمانٍ، فأبطل الله ذلك من فعلهم وأخبر أنَّه(19) فسقٌ، وإنَّما جعله(20) فسقًا لأنَّهم كانوا يستقسمون عند آلهتهم الَّتي يعبدونها ويقولون: يا إلهنا، أخرج الحقَّ في ذلك، ثمَّ يعملون بما خرج فيه، فكان ذلك كفرًا بالله، لإضافتهم ما يكون من ذلك من صواب أو خطأ إلى / أنَّه من قسم آلهتهم، فأخبر رسول الله صلعم عن إبراهيم وإسماعيل(21) أنَّهما لم يكونا يستقسمان(22) بالأزلام، وإنَّما كانا يفوِّضان أمرهما(23) إلى الله الَّذي لا يخفى عليه علم ما كان وما هو كائن لأنَّ الآلهة لا تضرَّ ولا تنفع.


[1] قوله: ((لما قدم)) ليس في (م).
[2] صورتها في (ص): ((يقدم)).
[3] في (م): ((فأخرجوا)).
[4] في (ص): ((أيديهم)).
[5] صورتها في (ز) والنسخة المصرية: ((يقتسما)).
[6] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[7] قوله: ((على)) ليس في النسخة المصرية.
[8] في (م): ((للمثبت)).
[9] في (م): ((وترك)).
[10] العبارة في (م): ((النبي ◙ دخوله)).
[11] في (م): ((أن)).
[12] في (م): ((البيت الذي)).
[13] في (م): ((أمحرم)).
[14] في (م): ((فيها)).
[15] في (م): ((في)).
[16] قوله: ((بعضها)) ليس في (م).
[17] في (م): ((أحدهم)).
[18] قوله: ((من نجاح)) ليس في (م).
[19] زاد في (م): ((لا)).
[20] زاد في (م): ((╡)).
[21] زاد في (م): ((صلوات الله عليهما)).
[22] في (م): ((يقتسمان)).
[23] في (م): ((أمورهما)).