شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة

          ░8▒ باب: مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلا يُهِلُّوا قَبْلَ ذي الْحُلَيْفَةِ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، قَالَ عبدُ اللهِ(1): وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ). [خ¦1525]
          وترجم له باب: مهلُّ أهل نجدٍ.
          قال ابن المنذر: أمر النَّبيُّ صلعم أهل المدينة وأهل الشَّام وأهل نجدٍ واليمن أن يهلِّوا من المواضع الَّتي حَدَّها، وأحرم ◙ من الميقات الَّذي بيَّنه(2) لأهل المدينة(3)، وترك أن يحرم من منزله، وعمل بذلك أصحابه وعوامُّ أهل العلم، وغير جائزٍ أن يكون فعلٌ أعلى من فعله، أو عملٌ أفضل من عمله، ولقد سُئل مالك عن هذه المسألة فتلا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}الآية[النور:63].
          وقد أجمع أهل العلم على أنَّه من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنَّه محرم(4)، غير أنَّ طائفة من السَّلف كرهت ذلك، واستحبَّه آخرون، فممَّن رأى ذلك ابن عمر، أحرم من إيلياء، وسُئل عليٌّ وابن مسعود عن قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}[البقرة:196]فقالا(5): أن تحرم من دويرة أهلك. وأجاز ذلك علقمة والأسود، وهو قول أبي حنيفة والثَّوريِّ والشَّافعيِّ.
          وكره الإحرام قبل المواقيت عُمَر بن الخطَّاب، وأنكر على عِمْرَان بن حصين إحرامه من البصرة، وأنكر عثمان بن عفَّان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات، وهو قول عطاء والحسن ومالك وأحمد وإسحاق. وقال أحمد: المواقيت أفضل لأنَّها سنَّة النَّبيِّ ◙.
          قال إسماعيل القاضي(6): وإنَّما كرهوا ذلك _والله أعلم_ لئلَّا يضيِّق المرء على نفسه ما(7) وسَّع الله عليه، وأن يتعرَّض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه، وكلُّهم ألزمه الإحرام فإنَّه(8) زاد ولم ينقص.
          قال الطَّحاويُّ: وأخذ قوم بحديث ابن عمر وابن عبَّاسٍ، وذهبوا إلى أنَّ أهل العراق لا ميقات(9) لهم في الإحرام كميقات(10) سائر أهل البلدان، وإنَّما يهلُّون من حيث مرُّوا عليه من هذه المواقيت(11) في حديث ابن عبَّاسٍ وابن عمر.
          قال المؤلِّف: وسأذكر في الباب بعد هذا اختلاف النَّاس في ميقات أهل العراق إن شاء الله. [خ¦1531]


[1] في (م): ((قال عبد)).
[2] في (م): ((سنَّه)).
[3] قوله: ((لأهل المدينة)) ليس في (م).
[4] في (ز): ((يحرم)) والمثبت من (م)، وفي (ص): كالمثبت في المتن.
[5] زاد في (م): ((تمامها)).
[6] قوله: ((القاضي)) ليس في (م).
[7] زاد ي (م): ((فيه)).
[8] في (م): ((لأنه)).
[9] في (م): ((وقت)).
[10] في (م): ((كوقت)).
[11] زاد في (م): ((المؤقتة)).