شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الطواف على وضوء

          ░78▒ باب: الطَّوَافِ على وُضُوءٍ.
          فيه: عُرْوَةُ، عن عَائِشَةَ: (حَجَّ النَّبيُّ صلعم فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ(1) أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ(2)، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ عُمَرُ كذَلِكَ) وذكر الحديث. [خ¦1641] [خ¦1642]
          هذا الحديث حجَّةٌ لمن اختار الإفراد بالحجِّ وأنَّ ذلك كان(3) عمل النَّبيِّ صلعم وأصحابه بعده، لم يعدل(4) أحد منهم إلى تمتعٍ ولا قرانٍ؛ لقولها: (ثُمَّ لم تَكُن عَمْرَةً).
          وفيه ما ترجم به أنَّ سنَّة الطَّواف أن يكون على طهارةٍ، واتَّفق جمهور العلماء على أنَّه لا يجزئ بغير طهارةٍ كالصَّلاة، وخالف ذلك أبو حنيفة فقال: إن طاف بغير طهارةٍ، فإن أمكنه إعادة الطَّواف(5) أعاده، وإن رجع إلى أهله(6) جبره بالدَّم.
          قال ابن القصَّار: والحجَّة للجماعة قول عائشة: (أوَّلُ شَيءٍ بَدَأَ بِهِ النَّبيُّ ◙ أنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بالبَيتِ) وفعله على الوجوب إلَّا أن تقوم دلالةٌ، وأيضًا فإنَّ فعله خرج مخرج البيان لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29]لأنَّ الطَّواف مجملٌ يحتاج إلى بيان صفته لأنَّه يقتضي طوفةٌ واحدةٌ.
          وقد قال ابن عبَّاسٍ: ((إنَّ الطَّوافَ بالبيتِ صلاةٌ، إلَّا أنَّ اللهَ تعالى أباحَ فيهِ المنطِقَ(7))) وقد يكون في الشَّرع صلاة لا ركوع فيها ولا سجود كصلاة الجنازة(8)، فإن قيل: ينبغي(9) أن يكون لها تحريمٌ وتسليمٌ، قيل: ليس كلُّ ما كان صلاةٌ يحتاج إلى ذلك لأنَّ كثيرًا من النَّاس من يقول في سجود السَّهو أنَّه صلاةٌ ولا يحتاج إلى ذلك، وكذلك سجود التِّلاوة، لنا(10) أن نستدلَّ بحديث صفيَّة لمَّا حاضت فقال: ((أَحابِستَنَا هِيَ؟ فَلَمَّا قِيلَ(11): إِنَّها قَد أَفَاضَت، قَالَ: فَلا إِذًا)).
          فلو كان الدَّم ينوب مناب طوافها بغير طهارةٍ لكان ◙ لا يحتاج أن يقيم هو وأصحابه إلى أن تطهر ثمَّ تطوفه(12)، فإن قيل: إنَّ الطَّواف ركنٌ لا يصحُّ الحجُّ إلَّا به فلا يحتاج إلى طهارةٍ كالوقوف بعرفة، قيل: لمَّا كان يعقب كلَّ أُسْبُوع من / الطَّواف ركعتان، لا فصل بينه وبينهما، وجب أن يكون الطَّائف متوضِّئًا لتتَّصل صلاته بطوافه، والوقوف بعرفة لا صلاة بأثره، فافترقا.
          واختلفوا فيمن انتقض وضوؤه وهو في الطَّواف، فقال عطاء ومالك: يتوضَّأ ويستأنف الطَّواف، قال مالك: وهو بخلاف السَّعي بين الصَّفا والمروة لا يقطع عليه ذلك(13) ما أصابه من انتقاض وضوئه، وقال النَّخَعِيُّ: يبني. وهو قول الشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، إلَّا أنَّ الشَّافعيِّ قال: إن تطاول استأنف. وقال مالك: إن كان تطوُّعًا(14) فأراد إتمامه توضَّأ واستأنف، وإن لم يرد إتمامه تركه. وقد تقدَّم بعض ما في هذا الحديث في باب من طاف(15) إذا قدم مكَّة، [خ¦1614] وسيأتي شيء منه في باب متى يحلُّ المعتمر بعد هذا إن شاء الله. [خ¦1796]


[1] في (م) صورتها: ((فقلت)).
[2] قوله: ((بالبيت)) ليس في (ص).
[3] في (ز) و(ص): ((وإن كان)) والمثبت من (م).
[4] زاد في (م): ((عنه)).
[5] في (م): ((للطواف)).
[6] في (م): ((بلاده)).
[7] في (م): ((النطق)).
[8] في (م): ((الجنائز)).
[9] في (م): ((فينبغي)).
[10] في (م): ((ولنا)).
[11] زاد في (م): ((له)).
[12] في (م): ((وأصحابه حتى تطهر ثم تطوف)).
[13] في (م): ((ذلك عليه)).
[14] في (ز): ((تطوع)) والمثبت من (م).
[15] زاد في (م): ((بالبيت)).