شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نزول النبي مكة

          ░45▒ بَاب: نُزُولِ النَّبيِّ صلعم مَكَّةَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ(1): (قَالَ النَّبيُّ صلعم حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ(2): مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا على الْكُفْرِ، يعني بذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ على بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي عبد المُطَّلِبِ، أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ، أَنْ لا يُنَاكِحُوهُمْ وَلا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ(3) النَّبيَّ ◙. قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ: بَنِي(4) الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ). [خ¦1589]
          قال المؤلِّف: قد فسَّر ابن عبَّاس أنَّ نزول النَّبيِّ صلعم / بالمحصَّب لم يكن سنَّة، وقال: المحصَّب ليس(5) بشيءٍ، فإنَّما(6) هو منزلٌ نزله رسول الله صلعم ليكون أسمح لخروجه، يعني إلى المدينة، وذكر أهل السِّير أنَّهم بقوا ثلاث سنين في الشِّعب وكان المشركون كتبوا صحيفةً لبني هاشم وبني المطَّلب بالتَّبرُّؤ منهم، وألَّا يقبلوا منهم(7) صلحًا أبدًا، ولا يدخلوا إليهم طعامًا، وعلَّقوا الصَّحيفة في الكعبة، فاشتدَّ عليهم البلاء في الشِّعب.
          وكان قوم من قصيٍّ ممَّن ولدتهم بنو(8) هاشم قد أجمعوا على نقضة(9) ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، فبعث الله عند ذلك الأرَضة على الصَّحيفة، فلحست كلَّ ما كان فيها(10) من عهدٍ وميثاقٍ لهم، ولم تترك فيها اسمًا من أسماء الله(11) ╡ إلَّا لحسته(12) وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، فأطلع الله رسوله على ذلك، فذكر ذلك رسول الله صلعم لأبي طالبٍ فقال أبو طالب: لا والثَّواقب ما كذبتني، فانطلق في عصابة من بني عبد المطَّلب حتَّى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش، فلمَّا رأتهم قريش أنكروهم، وظنُّوا أنَّهم خرجوا من شدَّة البلاء ليسلموا رسول الله صلعم برمَّته إليهم.
          فقال أبو طالب: جرت بيننا وبينكم أمور لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم الَّتي فيها مواثيقكم فلعلَّه أن يكون بيننا صلح، وإنَّما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصَّحيفة قبل أن يأتوا بها، فأتوا بها(13) معجبين(14) لا يشكُّون أنَّ رسول الله صلعم يدفع إليهم.
          فلمَّا وضعوها قال أبو طالب: إنَّما أتيناكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم، إنَّ ابن أخي لم يكذبني، إنَّ هذه الصَّحيفة قد بعث الله عليها دابَّة لم تترك فيها اسمًا لله إلَّا لحسته، وتركت فيها غدركم وظلمكم لنا، فإن كان الحديث كما يقول فلا والله لا نسلمه حتَّى نموت، وإن كان باطلًا دفعنا إليكم صاحبكم فقتلتم أو استحييتم، فقالوا:(15) رضينا، ففتحوا الصَّحيفة فوجدوا الصَّادق المصدوق(16) ◙ قد أخبر بالحقِّ، قالوا(17): هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بَغيًا وعدوانًا.
          قال ابن شهاب: فلمَّا أفسد الله صحيفة مكرهم خرج رسول الله صلعم ورهطه، فعاشوا وخالطوا الناس، ثمَّ أذن رسول الله صلعم بالهجرة إلى المدينة، وكان الَّذي كتب الصَّحيفة منصور بن عِكْرِمَة بن هاشم بن عبد العزَّى، وذكر أنَّه شُلَّت يده بعد ذلك، عن ابن إسحاق.
          قال(18) الخطَّابيُّ: الخيف: ما انحدر عن الجبل وارتفع عن المسيل، وبه سمِّي مسجد الخيف.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] زاد في (م): ((وَهُوَ بِمِنًى الغَدِ مِن يَوْمَ النَّحْرِ)).
[3] قوله: ((إليهم)) ليس في (م).
[4] في (م): ((بنو)).
[5] في (م): ((ليس التحصيب)).
[6] في (م): ((وإنما)).
[7] في (م): ((لهم)).
[8] في (ص): ((بني)).
[9] في (م) و(ص): ((على نقض)).
[10] في (م): ((فيه)).
[11] في (م): ((فيها اسمًا لله)).
[12] قوله: ((إلا لحسته)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[13] قوله: ((فأتوا بها)) ليس في (م).
[14] في (م): ((معجلين)).
[15] زاد في (م): ((قد)).
[16] في (م): ((المصدق)).
[17] في (م): ((فقالوا)).
[18] قوله: ((قال)) ليس في (م).