شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الكلام في الطواف

          ░65▒ باب: الْكَلامِ في الطَّوَافِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَنَّ النَّبيَّ ◙ مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إلى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَطَعَهُ النَّبيُّ صلعم بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُدْهُ بِيَدِك(1)) وترجم له باب إذا رأى سَيرًا أو شيئًا يُكره في الطَّواف قَطَعَه. [خ¦1620]
          قال ابن المنذر: أَوْلى ما شَغَلَ المرءُ به(2) نفسَهُ في الطَّواف ذكرُ الله وقراءة القرآن، ولا يشتغل فيه بما لا يجدي عليه منفعة(3) في الآخرة، مع أنَّا لا نحرِّم الكلام المباح فيه، غير أنَّ الذِّكر(4) أسلم لأنَّ من تخطَّى الذِّكر إلى غيره لم يأمن أن يخرجه ذلك إلى ما لا تحمد عاقبته، وقد قال ابن عبَّاس: ((الطَّواف صلاةٌ، ولكن قد أذنَ اللهُ لكم فيهِ بالكلامِ، فمَنْ نطقَ فلا ينطقُ إلَّا بخيرٍ)). وقال عطاء: كانوا يطوفون ويتحدَّثون. وقال مالك: لا بأس بالكلام فيه، فأمَّا الحديث فأكرهه.
          واختلفوا في قراءة القرآن، فكان ابن المبارك يقول: ليس شيء أفضل من قراءة القرآن. وكان مجاهد يقرأ عليه القرآن في الطَّواف، واستحبَّه الشَّافعيُّ وأبو ثورٍ، وقال الكوفيُّون: إذا قرأ في نفسه. وكرهت طائفة قراءة القرآن، ورُوي ذلك عن عروة والحسن البصريِّ ومالك بن أنس، وقال(5) مالك: وما القراءة فيه من عمل النَّاس القديم، ولا بأس به إذا أخفاه، ولا يُكثر منه. قال(6) عطاء: قراءة القرآن في الطَّواف محدث. وقال(7) ابن المنذر: والقراءة أحبُّ إليَّ من التَّسبيح، وكُلٌّ حَسَن، ومن أباح قراءة القرآن في الطُّرق والبوادي ومنعه الطَّائف متحكِّم مدَّعٍ لا حجَّة له(8).
          وينبغي أن يفتتح الطَّواف بتوحيد الله كما يفتتح الصَّلاة بالتَّكبير، ويخشع لربِّه، ويعقل بِبَيْتِ مَنْ يطوف، ولمعروف من يتعرَّض، وليسأل غفران ذنوبه والتَّجاوز عن سيِّئاته، ويشغل نفسه بذلك وخواطره، ويترك أمور الدُّنيا، كما فعل ابن عمر حين خطب إليه عروة بن الزُّبير ابنته في الطَّواف، فلم يردَّ عليه كلامًا، فلمَّا جاء إلى المدينة لقيه عروة فقال له ابن عمر: أدركتَني في الطَّواف ونحن نتراءى الله بين أعيننا، فذلك الَّذي منعني أن أردَّ عليك، ثمَّ زوَّجه، والَّذي سأل عروةُ باب من أبواب المباح، فأبى ابن عمر أن يجيبه تعظيمًا لله تعالى إذ هو طائف ببيته الحرام.
          وفي قطعه ◙ السَّير من يد الطَّائف من الفقه أنَّه يجوز للطَّائف فعل ما خفَّ من الأفعال، وأنَّه إذا رأى منكرًا فله أن يغيَّره(9) بيده، وإنَّما قطعه _والله أعلم_ لأنَّ القود بالأزمَّة إنَّما يُفعل(10) بالبهائم، وهو مُثْلَة، وقد روى ابن جُريج عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عبَّاسٍ ((أنَّ الرَّسولَ(11) صلعم مَرَّ وهوَ يطوفُ بالبيتِ بإنسانٍ يقودُهُ إنسانٌ بخِزامةِ في أنفِهِ، فقطَعَهُ(12) ◙ وأمرَهُ أنْ يقودَهُ بيدِهِ)).


[1] في (م): ((قد بيده)).
[2] في (م): ((ما شغل به المرء)).
[3] في (م): ((لا يجري عليه نفعه)).
[4] زاد في (م): ((فيه)).
[5] في (م): ((قال)).
[6] في (م): ((وقال)).
[7] في (م): ((قال)).
[8] في (م): ((مدع ما لا حجة له به)).
[9] في (م): ((فله تغييره)).
[10] زاد في (م): ((ذلك)).
[11] في (م): ((النبي)).
[12] زاد في (م): ((النبي)).