مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: المعاريض مندوحة عن الكذب

          ░116▒ باب المعاريض مندوحة عن الكذب
          وقال إسحاق: سمعت أنساً يقول... إلى آخره.
          ثم ساق حديث أنس: ((ويحك ارفق بالقوارير)).
          وحديثه أيضاً: كان بالمدينة فزع، الحديث.
          (المعاريض): كذا هو في الأصول، وكذا أورده ابن بطال، وأما ابن التين فأورده بلفظ: المعارض، ثم قال: كذا التبويب، والصواب: المعاريض، كما في رواية أبي ذر. وهي من التعريض الذي هو خلاف التصريح، وهو التورية بالشيء عن الشيء.
          ومعنى: مندوحة: متسع، يقال: منه: انتدح فلان بكذا ينتدح به انتداحاً؛ إذا اتسع به.
          وقال الطبري: يقال: انتدحت الغنم في مرابضها إذا تبددت واتسعت من البطنة.
          وحاصل هذه اللفظة ترجع إلى الفسحة والسعة؛ أي: في المعاريض ما يستغني به الرجل عن الاضطرار إلى الكذب. وهذه الترجمة ذكرها الطبري بإسناده عن عمر: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
          وقال الهروي: إنه في حديث عمران بن حصين.
          قوله: (وظن أنها صادقة) أي: بما ورت به من استراحة الحياة وهدوء النفس من تعب العلة وهي صادقة في الذي قصدته. ولم تكن صادقة فيما ظنه أبو طلحة، وفهمه من ظاهر كلامها، ومثل هذا لا يسمى كذباً على الحقيقة.
          وقوله في النساء (القوارير) شبههن بها؛ لأنهن عند حركة الإبل بالحداء وزيادة مشيها به، يخاف عليهن السقوط ليحدث لهن ما يحدث بالقوارير من التكسر. وكذلك قوله: إنه لبحر، شبه جريه بالبحر الذي لا ينقطع، أي: واسع الجري واسمه مندوب.
          فهذا كله أصل في جواز المعاريض واستعمالها فيما يحل ويحرم، ونحو هذا ما روي عن ابن سيرين أنه قال: كان رجل مر بأهله عيوناً فرأى بغلة شريح فأعجبته، فقال له شريح: إنها [إذا] ربضت لم تقم حتى تقام. يعني: أن الله تعالى هو الذي يقيمها بقدرته، فقال الرجل: أف أف. يعني: استصغرها، والأف تقال للنتن.
          وذكر الطبري عن الثوري في الرجل يزوره إخوانه وهو صائم، فيكره أن يعلموا بصومه، وهو يحب أن يطعموا عنده، فأي ذلك أفضل ترك ذلك أو إطعامهم؟ قال: إطعامهم أحب إلي وإن شاء قام عليهم. وقال: قد أصبت من الطعام، ويقول: قد تغديت. يعني: أمس أو قبل ذلك.
          وروي عن النخعي: أنه كان إذا كره أن يخرج إلى الرجل جلس في مسجد بيته وقال للخادم: قولي له: هو في المسجد.
          وقد رخص ◙ في الكذب في ثلاث: إصلاح بين الناس، والرجل يكذب لامرأته، والكذب في الحرب.
          وعاتبت إبراهيم النخعي امرأته في جارية له وبيده مروحة فقال: أشهدكم أنها لها. وأشار بالمروحة، فلما خرجنا من عنده فقال: على أي شيء أشهدتكم؟ قالوا: على الجارية. قال: ألم تروني أشير بالمروحة.
          وسئل النخعي عن رجل مر بعشار فادعى حقا فقال: احلف بالمشي إلى بيت الله ما له عندك شيء واعن مسجد أخيك.
          وفي الباب تأليف مفرد لابن دريد سماه ((الملاحن))، فمنه: والله ما سألت فلاناً وما رأيت فلاناً ولا كلمته؛ أي: ما ضربت رئته وما جرحته.
          وبطنت فلاناً: ضربت بطنه / وما أعلمته ولا أعلمني؛ أي: ما جعلته أعلم أي: ما شققت شفته العليا. والأعلم المشقوق الشفة العليا(1).


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: والأفلح المشقوق الشفة السفلى، قال شاعر: ~إذا أفلح الجهال أعلم أنني                     أنا الميم والأيام أفلحُ أعلم)).