مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه}

          ░1▒ باب قول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8]
          فيه حديث شعبة قال: الوليد بن العيزار إلى آخره وسلف في الصلاة والجهاد، ويأتي في التوحيد.
          وذكر في التفسير أن هذه الآية التي في سورة لقمان نزلت في سعد بن أبي وقاص، قالت أمه حين هاجر: لا يظلني بيت حتى ترجع فنزلت، فأمره تعالى أن يحسن إليهما ولا يطيعهما في الشرك. وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة، فأخبر رسول الله أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، ورتب ذلك بـ(ثم) التي تعطي الترتيب، وتدل على أن الثاني بعد الأول بمهلة، ودل التنزيل على ذلك، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء:23] الآية؛ يعني: ما يقولان ويحدثان {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} قال مجاهد: والمعنى: لا تستقذرهما كما لم يكونا يستقذرانك، وقال عطاء: لا تنفض يديك عليهما.
          {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} أي: لا تغلظ لهما في القول {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} أي: سهلا لينا.
          {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} أي: كن بمنزلة الذليل المقهور إكراماً لهما، وجعل تعالى شكر الأبوين بعد شكره، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] وقال أبو هريرة: لا تمش أمام أبيك، ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه، وقيل: تمشي في الظلمة بين يديه(1).
          قوله: (الصلاة على وقتها) وفي رواية أخرى: ((لأول وقتها)) كما سلف في بابه، وفي حديث آخر: ((إيمان بالله ثم الصلاة على مواقيتها)) ولم تذكر هنا؛ لأن الصحة موقوفة عليه.
          وفيه: فضل ظاهر في بر الوالدين، وقدمه على الجهاد؛ لتعديه إلى الغير، ولأن الفاعل له لا يرى أنه إنما يفعله مكافأة لفعلهما له، فكأنه لا يرى فيه كبير عمل، والجهاد يرى لنفسه فيه كبير عمل.
          وأبو عمرو الشيباني راويه عن أبي هريرة، اسمه: سعد بن إياس بن عمرو بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، أدرك الجاهلية، وعاش مائة وعشرين سنة قال: تكامل شبابي يوم اليمامة سنة ست عشرة فكنت ابن أربعين سنة.
          وعمه أيضاً أبو رجاء العطاردي عمران بن ملحان، وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل، وأبو أمية سويد بن غفلة بن عويمر بن عامر الجعفي، كل منهم عاش نحواً من ثلاثين ومائة سنة وغيرهم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قيل أن المرؤوس يمشي قدام الرئيس في مواضع في ظلمة ليل أو خوض سبل أو ملاقاة خيل.
وقال بعضهم لآخر: إن تقدمت بين يديك فحاجب أو تأخرت فواجب، وقد رأى ◙ في منامه أن بلالاً يمشي بين يديه في الجنة وفيه فوائد سلفت في محله)).