مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب صلاة التراويح

          ░░31▒▒ كتاب صلاة التراويح
          ░1▒ باب فضل من قام رمضان
          فيه أحاديث:
          2008- حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله صلعم يقول لرمضان: ((من قامه)) الحديث.
          2009- وعنه مثله.
          2010- وعن ابن شهاب، عن عروة..إلى آخره.
          2013- حديثها أيضاً: ((ما كان يزيد))، الحديث.
          حديث أبي هريرة سلف في الإيمان.
          ومعنى: ((يقول لرمضان)): أي: لأجله كقوله: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ} [الأنفال:38]: أي: قل لأجلهم ونحوه.
          ومعنى ((إيماناً)): مصدقاً بما عند الله من الثواب عليه ((واحتساباً)): يعني: يفعل ذلك ابتغاء وجهه و((غفر ما تقدم له من ذنبه)).
          وحديث عائشة: ((ما كان يزيد..إلى آخره)): سلف في باب قيام النبي صلعم الليل في رمضان وغيره، من كتاب الصلاة.
          وفي جمع عمر الناس على قارئ واحد: دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم وصلاح دينهم.
          وفيه: أن اجتهاد الإمام ورأيه في السنن مسموع منه مؤتمر له كما ائتمر الصحابة في جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة الله؛ لقوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ}الآية [النساء:83].
          وفيه: جواز الاجتماع في صلاة النوافل وأنها في البيت أفضل.
          وفيه: أن الجماعة المتفقة في عمل الطاعة مرجو بركتها، إذ دعاء كل واحد يشمل جماعتهم، ولذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، فيجب أن تكون النافلة كذلك.
          وفيه: أن قيام رمضان سنة؛ لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان الشارع يحبه، وقد أخبر ◙ بالعلة التي منعت من الخروج إليهم وهي خشية أن يفرض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيماً، فلما أمن عمر أن يفرض عليهم في زمنه لانقطاع الوحي أقام هذه السنة وأحياها، وذلك سنة أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته.
          وفيه: أن الأعمال إذا تركت لعلة وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل، كما أعاد عمر صلاة الليل في / رمضان في الجماعة.
          وفيه: أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، ولذلك قال عمر: أبي أقرؤنا، فلذلك قدمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن؛ لأن عمر قدم أيضاً تميماً الداري، ومعلوم أن كثيراً من الصحابة أقرأ منه، فدل هذا أن قوله ◙: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) إنما هو على الاختيار.
          والأوزاع: الفرق، لا واحد له من لفظه.
          قوله: ((متفرقون)): على معنى التأكيد؛ لأن الأوزاع: الجماعات المتفرقون.
          وقال ابن فارس: الأوزاع: الجماعات، فعلى هذا يكون المتفرقون تفسيراً.
          وعبارة صاحب ((العين)): أوزاع الناس: ضروب منهم، والتوزيع: القسمة.
          وقول عمر: ((نعم البدعة)): كذا هو في رواية أبي الحسن ((نعم)) ووجهه: أنها تقدمت مؤنثاً غير ذي فرج مثل: {وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:86]، وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كضده في بئس.
          وقال ابن التين: وقع في بعض النسخ: بالهاء وهو الصواب على أصول الكوفيين، وإنما يكون عند البصريين بالتاء ممدودة نعمت؛ لأن نعم عندهم فعل فلا يتصل به إلا تاء التأنيث دون هائه.
          والبدعة: اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هدى، وقيل سئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعمت البدعة، وهذا تصريح من عمر أنه أول من جمع في قيام رمضان على إمام واحد وتابعوه بدعة؛ لأنه ◙ لم يسنها لهم ولا فعلها الصديق وقد فعلها الفاروق، وقد صح: ((اقتدوا بالذين من بعدي)) ووصفها بـ((نعم)) لما فيها من وجوه المصالح.
          قوله: ((والتي ينامون عنها أفضل)): يعني: القيام آخر الليل؛ لحديث عائشة أنه ◙ كان ينام أول الليل ويحيي آخره، وأيضاً فهو وقت التبرك واستجابة الرب تعالى في ذلك الوقت لمن دعاه. وقد تقدم معنى خشية الافتراض في الصلاة، وقد سلف في باب قيامه ◙ بالليل في رمضان وغيره، اختلافهم في عدد القيام في رمضان، وننبه هنا على طرف وهو أن قول عائشة هنا موافقة لما روى مالك عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، قال: أمر عمر أبي بن كعب وتميماً، هذه الرواية معارضة لرواية من روى عن السائب: ثلاثاً وعشرين ركعة فمعارضة لرواية السائب أن عمر جعل الناس يقومون في أول أمره بإحدى عشرة كما فعل ◙، وكانوا يقرؤون بالمئين ويطولون القراءة، ثم زاد عمر بعد ذلك فجعلها ثلاثاً وعشرين ركعة على ما رواه يزيد بن رومان، وبهذا قال الثوري والكوفيون والشافعي _أي بالوتر_ وأحمد، فكان الأمر على ذلك إلى زمن معاوية، فشق على الناس طول القيام؛ لطول القراءة فخفف القراءة، وكثروا من الركوع، وكانوا يصلون تسعاً وثلاثين ركعة، الوتر منها ثلاث ركعات، فاستقر الأمر على ذلك وتواطأ عليه الناس وبهذا قال مالك، فليس ما جاء من اختلاف أحاديث رمضان متناقض، وإنما ذلك في زمان بعد زمان.
          قال (ت): اختلف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضهم أن يصلى إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة والعمل على هذا عندهم بها، وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة: عشرين ركعة، وهو قول الثوري / وابن المبارك والشافعي.
          قال الشافعي: هكذا أدركت ببلدنا مكة يصلون عشرين ركعة. وقال إسحاق: يختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب. وعن مالك: تسع وثلاثون، الوتر منها ثلاث، والباقي ست وثلاثون ركعة.
          وقال أحمد: روي في هذا ألوان، ولم يقض فيه بشيء، واختار هو وابن المبارك وإسحاق الصلاة مع الإمام في شهر رمضان. واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئاً.
          فأما الصلاة بين التراويح فعن مالك: لا بأس به، وكذلك قال ابن أبي ذئب، وزجر عن ذلك عبادة بن الصامت وضربهم عليه، ونهى عامر عن الصلاة بين التراويح وقال: لا تشبهوها بالفريضة، وكان عامر بن عبد الله بن الزبير وأبو بكر بن حزم ويحيى بن سعيد يصلون بين الأشفاع.
          قال زيد بن وهب: كان عمر يروح بين الترويحتين قدر ما يذهب الرجل إلى سلع ويأتي.
          قوله: ((وصدراً من خلافة عمر)): أي: مقدمها، وإقرار أبي بكر على ذلك إما أنه شغل ولم يتفرغ للنظر في ذلك لقصر مدته، أو رأى قيامهم كذلك أفضل من جمعهم على إمام.
          قوله: ((يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط)): يجوز أن يكون الألف واللام في ((الرجل)) للجنس وللعهد؛ أي: ويصلي آخر غيره معه الرهط يصلون بصلاته، فالضمير في ((بصلاته)): راجع إلى غير مذكور يدل عليه ((الرجل)) وعلى الثاني
          فيه: أن الإمام لا يحتاج إلى نية الإمامة و((الرهط)): ما بين الثلاثة إلى العشرة، ذكره الخطابي.
          وقال ابن فارس: الرهط: العصابة دون العشرة، قال: ويقال إلى الأربعين.
          قوله: ((فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء..إلى آخره)): هذا من اجتهاده ☺ واستنباطه من إقرار الشارع الناس يصلون خلفه ليلتين، وقياسه ذلك على جمع الناس على واحد في الفرض؛ ولما في اختلاف الأئمة من افتراق الكلمة؛ ولأنه أنشط لكثير من الناس على الصلاة.
          قوله: ((لكان أمثل)): أي: أفضل، وقيل: أشد.
          وفيه: دلالة على صحة القول بالرأي، وذكر أن علياً مر ليلة ببعض مساجد الكوفة في رمضان وهم يقومون فقال: من نور علينا مساجدنا نور الله عليه قبره.
          ذكر هنا أنه امتنع في الليلة الرابعة، وجاء الثالثة أو الرابعة، وعلة امتناع خروجه خشية الفرض كما نص عليه في الحديث.
          وقال ابن التين: اختلف في علة امتناعه على أربعة أوجه:
          قال القاضي أبو بكر: يحتمل أن يكون الله تعالى أوحى إليه أنه إن صلى هذه الصلاة معهم فرضها عليهم.
          وأن يكون ظن أنه سيفرض عليهم لما جرت به عادتهم أن ما داوموا عليه من القرب فرض على أمته. وأن يكون خاف أن يظن أحد من أمته بعده إذا داوم عليها أنها واجبة، فالزيادة على هذا من جهة وجوب الاقتداء لا من جهة إنشاء فرض زائد على الخمس، كما يوجب المرء على نفسه صلاة بنذر.
          وأن الله تعالى أول ما فرض الصلاة خمسين ثم خففت إلى خمس، فإذا عادت الأمة فيما استوهبت لم يستنكر إثبات فرض عليهم، وقد ذكر الله تعالى عن فريق(1) من بني إسرائيل أنهم استبدعوا رهبانية ونسكاً، فقال تعالى: {مَا كَتَبْنَاهَا (2)} [الحديد:27]، ثم لما قصروا فيها لحقهم اللوم في قوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:27] فخشي أن يكون / سبيلهم سبيل أولئك فقطع العمل به شفقة على أمته.
          قال والدي ⌂:
          قوله: ((من قام رمضان)): اتفقوا على أن المراد بقيامه صلاة التراويح.
          قوله: ((يحيى بن بكير)): مصغر البكر ((وعقيل)): بضم المهملة ((وأبو سلمة)): بفتح اللام و ((لرمضان)): أي: لفضل رمضان ولأجله ((واحتساباً)): أي: طلباً للآخرة.
          الخطابي: أي: نية وعزيمة. النووي: ((إيماناً)): أي: تصديقاً بأنه حق معتقداً فضله و((احتساباً)): أي: إخلاصاً، والمراد بالقيام: أداء التراويح، واتفقوا على استحبابها واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفرداً أو بالجماعة، والمعروف: أن الغفران مختص بالكبائر.
          قوله: ((والأمر)): معناه استمرار الأمر هذه المذكورة على أن كل أحد يقوم رمضان في أي وجه كان حتى جمعهم عمر.
          قوله: ((عبد الرحمن بن عبد)): ضد الحر ((القاري)): بالقاف وبالراء منسوباً إلى القارة التي هي قبيلة المدني كان عامل عمر على بيت المال، مات سنة ثمانين.
          قوله: ((أوزاع)): بالزاي والمهملة: جماعات و((الرهط)): ما دون العشر من الرجال ورهط الرجل: قومه و((أمثل)): أي: أفضل و ((أبي)): بضم الهمزة وفتح الموحدة وشدة الياء ((ابن كعب الأنصاري)) و((البدعة)): كل شيء فعل على غير مثال سابق، وهي خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، وحديث: ((كل بدعة ضلالة)): من العام المخصوص.
          الخطابي: الأوزاع: الجماعات المتفرقة لا واحد لها من لفظه والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وإنما دعاها بدعة؛ لأن رسول الله صلعم لم يسنها لهم، ولا كانت في زمن أبي بكر رغب فيها بقوله: ((نعم)) ليدل على فضلها ولئلا يمنع هذا اللقب من فعلها.
          ويقال: ((نعم)): كلمة تجمع المحاسن كلها، وبئس كلمة تجمع المساوئ كلها، وقيام رمضان في حق التسمية سنة غير بدعة لقوله ◙: ((اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)).
          قوله: ((ينامون عنها)): أي: فارغين عنها؛ أي: الصلاة أول الليل أفضل من الصلاة في آخر الليل وبعضهم عكسوا وبعضهم فصلوا بين من استوثق بالانتباه عن النوم وغيره.
          فإن قلت: هذه الصلاة ليست بدعة لما ثبت من فعله صلعم لها؟
          قلت: لم يثبت كونها أول أو كل ليلة أو بهذه الصفة.
          قوله: ((مكانكم)): أي: مرتبتكم وحالكم في الاهتمام بالطاعة وكونكم في الجماعة.
          وفيه: جواز النافلة في المسجد وبالجماعة، وجواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة وأنه إذا تعارض مصلحتان أو مصلحة ومفسدة اعتبر أهمهما؛ لأنه لما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي تخاف من عجزهم عن أداء الفرض(3).
          وفيه: استحباب التشهد في صدر الخطبة وقول: ((أما بعد)) فيها واستقبال الجماعة فيها.
          قوله: ((غيره)): في بعضها: ((غيرها)): أي: غير ليالي رمضان.
          فإن قلت: صلاة التراويح عشرون ركعة وعند مالك ست وثلاثون فما وجهه؟
          قلت: إما أن المراد بها صلاة الوتر والسؤال والجواب واردان عليهما أو هو معارض بما روي أنه صلعم صلى بالناس عشرين ركعة ليلتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج إليهم وقال: ((خشيت أن تفرض عليكم)) فلا تطيقونها ورواية المثبت مقدمة على رواية النافي. وتقدم مباحث الحديث في باب قيام النبي صلعم بالليل في كتاب التهجد. انتهى.
          أقول: قوله: ((نعم البدعة هذه)): فإن قلت: البدعة: فعل مالم يعهد في عهد رسول الله صلعم، وهذا عهد في عصره بل فعله ليال؟
          قلنا: إنما قال عمر ☺ ذلك؛ لأن / النبي صلعم لم يواظب عليه، وقال: ((أخاف أن تفرض عليكم))، فحين فعله الناس في زمان عمر فكان بدعة.
          قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في ((القواعد)): البدعة منقسمة إلى: بدعة واجبة، ومحرمة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة، فللبدع الواجبة أمثلة:
          أحدها: الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله تعالى وكلام رسوله صلعم، وذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
          وللبدع المحرمة أمثلة، منها: مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، وللبدع المندوبة أمثلة، منها: إحداث الربط والمساجد والقناطر، وصلاة التراويح، وللبدع المكروهة أمثلة، منها: زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف، وللبدع المباحة أمثلة، منها: المصافحة عقيب الصبح والعصر، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام. انتهى كلام ابن عبد السلام.
          أقول: ذكر أبو الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني في كتاب ((حظائر القدس)): لشهر رمضان أربعة وستين اسماً: شهر الله، شهر الأمة، شهر الإيمان، والاحتساب، والتعظيم، والبركة، والتقريب، والبلوى، والتضعيف، والتراويح، والتحميد، وتطهير الأرواح، والجود، والجزاء، والحصاد للحراث، والدعاء، والذكر، والرحمة، والمغفرة، والإعتاق من النار، وتكفير السيئات، والسيادة، والحسنة، والغفران، وشد المئزر، والزيادة في الرزق، وتزيين الجنة، والسياحة، والصبر، والضياء، والطيب، والجد، والفتح، والنصر، والفضل، والقربان، والقرآن، والقيام، والتفتيح لأبواب الجنة، والتنزيل، وكف النفس، والإكرام، والإنعام، والطاعات، والنور، والعطاء، والمواساة، والفرحتين، والتقوى، والخير للمؤمنين، والشر للمنافقين، والنداء، والاعتصام، والنجاة، والأمان، والإنطاق، وحطة، وطاب، وقرب، وذكر مستنده في كل منها. نقلته من ((شرح المنهاج في الفقه)) للقاضي تقي الدين السبكي ⌂.
          وقد ذكرنا أقوال الطالقاني في قوله صلعم: ((الصوم لي وأنا أجزي به)).


[1] في هامش المخطوط: ((ينظر))
[2] الصواب: (({كَتَبْنَاهَا})).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله: ((فتعجزوا عنها)): بجيم مكسورة، قاله الزركشي)).