مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الغيبة

          ░46▒ باب الغيبة
          وقول الله: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات:12].
          فيه حديث ابن عباس: مر رسول الله على قبرين، الحديث.
          وموضع الحاجة قوله: (أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة) الحديث.
          الغيبة قد فسرها الشارع في مرسل مالك، عن الوليد بن عبد الله بن صياد، أن المطلب بن عبد الله بن حنطب أخبره أن رجلاً سأل رسول الله ما الغيبة؟ قال: ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع وإن كان حقًّا، فإن قلت باطلاً فذلك البهتان)).
          وحديث متصل أخرجه (م) من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلعم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)).
          وأخرجه (د) (س) (ت) وقال: حسن صحيح. ولم يذكر (خ) حديثاً في الغيبة، وإنما ذكر حديث النميمة، وإن كان حديث ابن عمر وابن عباس السالفين في الحج: ((وأعراضكم)) كاف فيه؛ لأنه أراد أنها في معناها؛ لكراهة المرء أن يذكر عنه بظهر الغيب، فاشتبها من هذه الجهة.
          والغيبة المحرمة عند أهل العلم في اغتياب أهل الشر من المؤمنين، ومن لا يُعلن بالمعاصي، فأما من جاهر بالكبائر فلا غيبة فيه.
          وسيأتي غيبة أهل المعاصي قريباً في باب ما يجوز منها.
          والغيبة من الذنوب العظام التي تحبط الأعمال.
          وفي الحديث: أنها ((تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)) وقد قيل: إنها تفطر الصائم بإحباط أجره.
          وقد تأول بعض أهل العلم في حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أنهما كانا يغتابان، كما سلف. ولذلك قال النخعي: ما أبالي اغتبت أو شربت ماء بارداً في رمضان. وعنه ◙: ((ما صام من ظل يأكل لحوم الناس)) ولعظم وزر الغيبة وكثرة ما تحبط من الأجر كف جماعة من العلماء عن اغتياب جميع الناس، حتى لقد روي عن ابن المبارك أنه قال: لو كنت مغتاباً لاغتبت والديّ، فإنهما أحق الناس بحسناتي.
          وقال رجل لبعض السلف: إنك قلت في قال: أنت إذاً أكرم علي من نفسي.
          وقيل للحسن البصري: إن فلاناً اغتابك. فبعث إليه طبقاً من الطرف، فقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك، فأردت أن أكافئك بها.
          وقد جاء حديث شريف في أجر من نصر من اغتيب عنده.
          روى عبد الرازق، بسنده عن أنس، رفعه: ((من اغتيب عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره أدركه الله به في الدنيا والآخرة)).