مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إكرام الكبير ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال

          ░89▒ باب إكرام الكبير
          فيه حديث رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة في القسامة، وسلف في بابها. وموضع الحاجة منه: فبدأ / عبد الرحمن، وكان أصغر القوم فقال له ◙: ((كبر الكبر)).
          وحديث عمر السالف قريباً في النخلة.
          إكرام الكبير وتقديمه في الكلام وجميع الأمور من آداب الإسلام ومعاني الأخلاق.
          روى الحاكم من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: قدم وفد جهينة على رسول الله صلعم فقام غلام منهم، فقال ◙: ((فأين الكبراء)).
          وروى الحاكم أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا)). ثم قال: صحيح الإسناد.
          وذكر عبد الرزاق أن في الحديث: ((من تعظيم جلال الله أن يوقر ذو الشيب في الإسلام)).
          ولهذا المعنى قال ◙: ((كبر الكبر)) فأمر أن يبدأ الأكبر بالكلام، فكان ذلك سنة. إلا أنه دل معنى حديث ابن عمر أن معنى ذلك ليس على العموم وأنه إنما ينبغي أن يبدأ بالأكبر فيما يستوي فيه علم الصغير والكبير، فأما إذا علم الصغير ما يجهل الكبير فإنه ينبغي لمن كان عنده علم أن يذكره وينزع به وإن كان صغيراً، ولا يعد ذلك من سوء أدب ولا تنقصاً لحق الكبير في المتقدم عليه؛ لأنه ◙ حين سأل أصحابه عن الشجرة التي شبهها بالمؤمن وفيهم ابن عمر وغيره ممن كان دونه في السن لم يوقف الجواب على الكبار فيهم خاصة، وإنما سأل جماعتهم ليجيب كل بما علم، وعلى ذلك دل قول عمر لابنه: لو كنت قلتها كان أحب إلي؛ لأن عمر لا يحب ما يخالف أدب الإسلام وسننه.
          وقد كان يسأل ابن عباس وهو صبي مع المشيخة، وقد كان ذلك معدوداً في فضائله. وتقدم هذا في باب: الحياء في العلم.
          قوله: (الكبر) بضم الكاف، قال الجوهري: قولهم هو كبر قومه أي: هو أقعدهم في النسب، قال: وفي الحديث: الولاء للكبير. وهو أن يموت ويترك ابنا وابن ابن، فالولاء للابن دون ابن الابن.
          قال: والكبر في السنن، يقال: كبر يكبر كبراً إذا أسن.
          قال ابن التين: وقرأناه بضم الكاف وسكون الباء.
          وفي الحديث الأول إثبات القسامة، وأن القول قول المدعي مع يمينه، وسلف ذلك مع إنكار أبي حنيفة لها.
          قوله: (وقد حلف مريدًا لهم) مريداً (لإحدى) الإبل أو القوم، أو يكون صوابه لهن، وهو الموضع تحبس فيه الإبل.
          قال والدي ⌂:
          (باب إكرام الكبير).
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد الصلح و(بشير) مصغر البشر بالموحدة والمعجمة ابن يسار ضد اليمين و(رافع) ضد الخافض ابن خديج بفتح المعجمة وكسر المهملة وبالجيم وسهل بن أبي حثمة بفتح المهملة وسكون المثلثة و(عبد الله بن سهل) بن زيد بن كعب الحارثي و(محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وبكسر التحتانية المشددة وبسكونها والتخفيف ابن مسعود بن كعب و(حويصة) بضم المهملة وفتح الواو وبالتحتانية ساكنة خفيفة ومكسورة شديدة وبإهمال الصاد في اللفظين ولفظ (ابنا) مثنى لا جمع (وصاحبهم) أي: مقتولهم وهو عبد الله و(كبر الكبر) جمع الأكبر؛ أي: قدم الأكابر للتكلم، وإنما أمر أن يتكلم الأكبر في السن لتحقيق صورة القصد وكيفيتها، لا أنه يدعيها، إذ حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن.
          قوله: (استحقوا قتيلكم) أي: دية قتيلكم و(إيمان) بالتنوين في / الموضعين أي خمسين يميناً صادرة منكم وفي بعضها بالإضافة أي أيمان خمسين رجلاً منكم وهذا يوافق مذهب الحنفية حيث اعتبروا العدد في الرجال لا في الأيمان وإن كان مخالفاً له حيث منعوا تحليف المدعي فيها.
          قوله: (أمر لم يره) أي: لم يشاهده فكيف نحلف عليه و(تبرئكم) أي تخلصكم من اليمين واعلم أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوي من جهة أن اليمين على المدعى، ولعل ذلك لأن المدعي هو الذاكر أمرٍ خفي والمدعى عليه من الظاهر معه وهاهنا الظاهر مع المدعي لأنه لا بد فيها من اللوث وهو القرينة المغلبة لظن صدقه.
          فإن قلت: الوارث هو الأخ وهو المدعي لا ابنا العم فلم عرض اليمين عليهم قلت: كان معلوماً عندهم أن اليمين تختص بالوارث فأطلق الخطاب لهم وأراد من يختص به ومن جهة أنها خمسون يميناً وذلك لتعظيم أمر الدماء وبدأ رسول الله صلعم بالمدعين فلما نكلوا رد على المدعي عليه فلما لم يرضوا بأيمانهم من جهة أنهم كفار لا يبالون بذلك عقله من عنده لأنه عاقلة المسلمين وإنما عقله قطعاً للنزاع وجبراً لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت.
          ولفظ (من قبله) بكسر القاف أي من عنده ويحتمل أن يراد به من خالص ماله أو من بيت المال.
          وفيه أنه ينبغي للإمام مراعاة المصالح العامة والاهتمام بإصلاح ذات البين وإثبات القسامة والابتداء بيمين المدعي فيها ورد اليمين على المدعي عليه عند النكول وجواز الحكم على الغائب وجواز اليمين بالظن وصحة يمين الكافر.
          قوله: (مربد) بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الموحدة وبالمهملة أي: الموضع الذي تجتمع فيه الإبل و(راضتني) أي: رفستني، وأراد بهذا الكلام ضبط الحديث وحفظه حفظاً بليغاً مر في آخر كتاب الجهاد.
          قوله: (مثلها) أي صفتها و(لا تحت) أي: لا يسقط و(كرهت) أي: أن أتكلم بحضور من هو أكبر مني وإكرام الكبير وتقديمه في الكلام وجميع الأمور من آداب الإسلام وذلك إذا استويا في العلم أما إذا تخصص الصغير بعلم جاز له أن يتقدم به ولا يعد ذلك سوء أدب ولا تنقيصاً لحق الكبير، ولهذا قال عمر: لو كنت قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم.
          الزركشي:
          (فتفرقا في النخل) أي: نخل خيبر.
          (محيصة وحويصة): بإسكان ثالثهما وتشديده.
          (الكبر الكبر) بالنصب، أي: قدموا الكبير.
          (فتبرئكم يهود) أي: من الدعوى.
          (فوداهم) ويروى: ((ففداهم)).
          (من قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة، ويروى بفتح القاف وإسكان الباء.