مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

          ░87▒ باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف
          فيه حديث عبد الرحمن بن أبي بكر أن أبا بكر تضيف رهطاً.. الحديث وسلف.
          وفيه أنه ينبغي استعمال حسن الأخلاق للضيف وترك الضجر، لكي يبسط نفسه ولا ينتقض ويسقط المؤنة والرقبة؛ خشية أن يظن أن الضجر والغضب من أجله، فذلك من أدب الإسلام وما يثبت المودة، ألا ترى الصديق لما رأى إباءة أضيافه من الأكل حتى يأكل معهم آثر الأكل معهم وحنث نفسه.
          وإنما حمله على الحلف والله أعلم أنه استصغر ابنه وأهله في القيام ببر أضيافه، واشتد عليه تأخر عشائهم إلى ذلك الوقت من الليل، فلحقه ما يلحق البشر من الغضب، ثم لم يسعه مخالفة أضيافه لما أبوا من الأكل دونه، فرأى أن من تمام برهم إسعاف رغبتهم وترك التمادي في الغضب؛ وأخذ في ذلك بقوله ◙: ((من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير)) وكان مذهب مالك: اختيار الكفارة بعد الحنث(1).
          قوله: (بسم الله، الأولى من الشيطان) يعني: اللقمة الأولى إخزاء للشيطان؛ لأنه الذي حمله على الحلف وسول له أن لا يأكل مع أضيافه، وباللقمة الأولى دفع بها ووجبت الكفارة.
          قوله: (دونك أضيافك) هو إغراء / يقال: دونك زيداً أي: الزمه.
          ومعنى: أطعموا: كلوا. قال تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} [الأحزاب:53].
          قوله: (اقبلوا عنا قراكم) أي: منا قراكم، ومصدر قريت: قرى وقراء إذا كسرت القاف قصرت، وإذا فتحت مددت، والاسم قرى بالكسر والقصر.
          قوله: (يا غنثر) هو مشتق من الغثر والنون زائدة مثل: غندر، والغثار، والغثر: سفلة الناس، الواحد أغثر كأحمر، وهو سب له ونقص، هذا الذي يظهر فيه. قال أبو عبد الملك: لم أسمع أحداً يذكر اشتقاقه، ومعناه: كأنه اتهمه أن يكون فرط.
          قوله: (إن كنت تسمع صوتي لما جئت) هو مشدد بمعنى: (إلا) كأنه اتهمه عند سيبويه ويصح أن يكون مخففا وما زائدة.
          قوله: (لم أر في الشر كالليلة) يعني: في أكثر الأحوال، ذكره الداودي. ويحتمل أن يكون قال ذلك من كثرة اللغط.
          قوله: (الأولى من الشيطان) يعني: يمينه؛ أي: كانت من الشيطان. وقيل: يعني: اللقمة الأولى؛ لأنه الذي حمله على أن يحلف، وباللقمة الأولى وقع الحنث ووجبت الكفارة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فالظاهر ذلك لأنها لا تستحي كفارة إذا عقبت الحنث وكفرته وأما قبله ففيه إشكال والحديث ورد باللفظين)).