مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: من وصل وصله الله

          ░13▒ باب من وصلها وصله الله
          فيه ثلاثة أحاديث / :
          1- حديث أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((إن الله خلق الخلق)) الحديث.
          2- حديث أبي هريرة أيضاً، عن النبي صلعم قال: ((الرحم شجنة من الرحمن)) الحديث.
          قال الطبري: معنى وصل الله عبده إذا وصل رحمه بعطفه عليه بفضله، إما في عاجل دنياه أو آجل آخرته، والعرب تقول إذا تفضل رجل على آخر بمال أو وهبه هبةً: وصل فلان فلاناً بكذا. وتسمي العطية صلة، فتقول: وصلت إلى فلان صلة فلان. وكذلك قوله تعالى في الرحم: (وصلها) يعني: وصلته بفضلي ونعمي.
          وصلة العبد رحمه بتعطفه على ذوي أرحامه من قبل أبيه وأمه بفواضل فضله.
          فإن قلت: أفما يكون المرء واصلاً رحمه إلا بتعطفه عليهم بفضل ماله، قيل: البر والأرحام مراتب ومنازل، وليس ممن يبلغ أعلا تلك المراتب يستحق اسم قاطع كما من لم يبلغ أعلى منازل الفضل يستحق اسم الذم، فواصل رحمه بماله يستحق اسم واصل، وواصلها بمعونته ونصرته يستحق اسم واصل.
          قوله: وبين ذلك قوله ◙: ((بلوا أرحامكم ولو بالسلام)) فأعلم أمته أن المتعاهد لرحمه ولو بالسلام خارج من معنى القاطع وداخل في معنى الواصل، فواصلها بما هو أعلا وأكثر أحق أن يكون خارجاً من معنى القاطع.
          والشجنة: أصلها بالكسر والضم، شعبة من غصون الشجر. ومعناه: قرابته مشتبكة بعضه ببعض، قاله أبو عبيد. وقال غيره: يقال هذا شجر متشجن إذا التف بعضه ببعض، ومنه الحديث ذو شجون، أي: يدخل بعضه على بعض.
          وقال الطبري: الفعلة من قولهم: شجن فلان على فلان إذا حزن عليه شجناً، والمعنى: أن الرحم حزينة مستعيذة بالله تعالى من القطيعة.
          وقال ابن التين: ((شجنة من الرحمن)) مشتقة منه بمعنى أنها قرابة من الله، مشتبكة كاشتباك العروق، بالضم وبه قرأناه، وبالكسر وأصله: الغصن من أغصان الشجر.
          قال ابن العربي في ((سراجه)): وأما قول أبي عبيد: الشجن قرابة مشتبكة، فغير صحيح؛ لأنه لا قرابة بين الله والعبد، إنما الشجون في المحسوس هي الأغصان في الشجر والعروق في البدن، وفي العقول معاني الحديث الذي يتعلق بعضها ببعض، ففي المحسوس اتصال بعضها ببعض فارتباطها بالرحمن إنما هو بالدلالة والأمر بحفظها منه.
          وقال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يخلو معناه من أحد شيئين: إما أن يراد أن الله يراعي الرحم أو يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن، فكأنه عظم قدرها بهذا الاسم.