مجمع البحرين وجواهر الحبرين

كتاب فرض الخمس

          ░57▒ ((كتاب فرض الخمس))
          1- ((باب فرض الخمس)) / .
          فيه حديث علي: قال: كانت لي شارف.
          وحديث عائشة عن فاطمة: أنها سألت أبا بكر.
          وحديث مالك بن أوس كنا عند عمر.
          حديث علي سلف في البيوع.
          وحديث مالك: قال (خ) فيه: ثنا إسحاق بن محمد الفروي هذا هو الصواب، ووقع في نسخة أبي الحسن محمد بدل إسحاق وكأنه وهم.
          قوله: ((اجتب أسنمتهما)) لا نعرف ذلك، والذي ذكره أهل اللغة أنه ثلاثي، وهو ما في النسخ الصحيحة والجب: القطع، ومن رواه ((أجبت)) فهو جائز، والبقر: الفتح، والثمل: السكران.
          وقول علي: ((أعطاني شارفاً من الخمس))، يعني: يوم بدر، فظاهره يدل على أن الخمس لم تكن يوم بدر.
          ذكر إسماعيل بن إسحاق قال في غزوة بني قريظة حين حكم سعد بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية قيل: إنه أول يوم جعل فيه الخمس، قال: وأحسب أن بعضهم قال: نزل أمر الخمس بعد ذلك، ولم يأت في ذلك من الحديث ما فيه بيان شاف، وإنما جاء أمر الخمس تعيناً في غنائم حنين، وهي آخر غنيمة حضرها الشارع وإذا لم يختلف في أن الخمس لم يكن يوم بدر فيحتاج قوله إلى تأويل لا يعارض قول أهل السير، ويمكن أن يكون معناه ما ذكره ابن إسحاق: أنه ◙ بعث عبد الله بن جحش في رجب من السنة الثانية من الهجرة قبل بدر الأولى وهذه بدر الصغرى إلى محلة بين مكة والطائف فوجد بها قريشاً فقتلوهم، وأخذوا العير.
          قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله خمس العير وقسم سائرها بين أصحابه، فوقع فرض الله في قسمة الغنائم على ما كان عبد الله صنع في تلك العير، ثم خرج رسول الله في رمضان بعد هذه السرية إلى بدر، فقتل بها صناديد الكفار، فبان بهذا الخبر معنى قول علي: ((أعطاني شارفاً من الخمس)) أي: من نصيبه من المغنم، وكان أعطاه قبل ذلك شارفاً من الخمس من سرية عبد الله بن جحش(1).
          وقد روى (د) في هذا الحديث ما يدل على هذا المعنى قال: كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم [بدر]، وأعطاني رسول الله شارفاً من الخمس يومئذ.
          واختلف في الخمس كيف يقسمه الإمام على ثلاثة أقوال: فقال مالك: يسلك بالخمس مسلك الفيء فإن رأى الإمام حبس ذلك لنوائب تنزل بالمسلمين فعل، وإن شاء قسمه، وأعطى كل واحد على قدر ما يغنيه، ولا بأس أن يعطي منه أقرباء رسول الله على قدر اجتهاد الإمام.
          وقال أبو حنيفة: الخمس على ثلاثة أسهم سهم اليتامى المساكين وابن السبيل فيهم، ويؤخذ سهم ذوي القربى، وسهم رسول الله فيردان في الكراع والسلاح، وقال الشافعي: الخمس على خمسة فيرد سهم رسول الله على من سمي معه من أهل الصدقات وهم: ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
          وقوله: {لله} مفتاح كلام، قلت: مذهبه أن سهم الله ورسوله يصرف لمصالح المسلمين حتى تأتي القسمة على خمسة.
          قال إسماعيل: قوله {لله} مفتاح كلام لا يفهم، وقد ذكر الله في كتابه: {مَّا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الحشر:7]، وقال: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال:1] فأي كلام جاء بعد هذا فيكون هذا مفتاحاً له، وإذا لله فهو أمر مفهوم اللفظ والمعنى؛ لأنه يعلم أن الرجل إذا قال: جعلت هذا الشيء لله أنه مما يقرب به إلى الله، وهذا لا يحتاج أن يقول فيه مفتاح كلام فكذلك قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] في معنى ما يقرب من الله ومن رسوله، ولو كان قوله: {لله} لا يوجب شيئاً، لكان ما بعده لا يوجب شيئاً؛ لأن ما بعده معطوف عليه، فإن كان / القول لا يجب به شيء، فكذلك ما عطف عليه لا يجب به شيء.
          قلت: الشافعي أراد بهذا أنه افتتح به للتبرك، وأشار به إلى أنه يصرف مصرف القرب، أو ذكر اسمه مع اسم رسوله تشريفاً له وتعظيماً.
          وقد نقل ابن بطال بعد هذا في باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}؛ أن الحسن بن محمد بن علي سئل عن قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] قال: هذا مفتاح كلام لله الدنيا والآخرة.
          ولم يتنازع علي والعباس في الخمس، وإنما تنازعا فيما كان لرسول الله خاصاً ما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فتركه صدقة بعد وفاته، فحكمه حكم الفيء.
          ووجه هجران فاطمة للصديق كما قاله المهلب أنه لم يكن عندها قوله ◙: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) ولا علمته، ثم أثبتت أن لا تكون ترث أباها كما يرث الناس في الجاهلية والإسلام، مع احتمال الحديث عندها أنه أراد به بعض المال دون بعض، وأنه لم يرد به الأصول والعقار، فانقادت وسلمت للحديث وإنما كان هجرانها له انقباضاً عن لقائه وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وإنما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه، ولم يرو أحد أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك لم يكونا بذلك مهاجرين، إلا أن تكون النفوس مضمرة للعداوة والهجران، وإنما لازمت بينهما، فعبر الراوي عنه بالهجران، لكنها وجدت عليه أن أحرمها ما لم يحرم أحد.
          فإن قلت: حديث عائشة في الباب ليس فيه ذكر الخمس قلت: وجهه أن فاطمة إنما جاءت تسأل ميراثها من رسول الله من فدك وخيبر وغيرهما، وفدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فلم يجز فيها خمس، وأما خيبر فإن الزهري ذكر أن بعضها صلح، وبعضها عنوة، فجرى فيها الخمس.
          وقد جاء هذا في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي، قالت عائشة: إن فاطمة جاءت تسأل نصيبها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، وإلى هذا أشار (خ) واستغنى لشهرة الأمر عن إيراده مكشوفاً بلفظ الخمس في هذا الباب.
          وفي حديث مالك أنه يجب أن يولى أمر كل قبيلة سيدها؛ لأنه أعرف باستحقاق كل رجل منهم لعلمه بهم.
          وفيه: أن الإمام ينادي الرجل الشريف باسمه وبالترخيم له ولا عار على المنادى بذلك، وفيه: استعفاء الإمام مما يوليه واستنزاله في ذلك بألين الكلام؛ كقول مالك لعمر حين أمره بقسمة المال بين قومه: لو أمرت به غيري.
          وفيه: الحجابة للإمام وأن لا يصل إليه شريف ولا غيره إلا بإذنه.
          وفيه: الجلوس بين يدي السلطان بغير إذنه، وفيه: الشفاعة عند الإمام في إنفاذ الحكم إذا تفاقمت الأمور، وخشي الفساد بين المتخاصمين؛ كقول عثمان: اقض بينهما، وذكر (خ) في المغازي: أن علياً والعباس استبا يومئذ.
          وفيه: تقرير الإمام من يشهد له على قضائه وحكمه وبيانه حكمه للناس.
          ومجيء العباس وعلي إلى الصديق يطلبان الميراث من تركة رسول الله من أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، وصدقة بالمدينة، على ما ثبت من حديث عائشة في الباب، فأخبرهم بأنه قال: ((لا نورث)) فسلما لذلك وانقادا، ثم جاءا بعد إلى عمر على اتفاق منهما يطلبان أن يوليهما العمل، والنظر فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير خاصة ليقوما به، ويسبلاه في السبل التي كانت مسبلة فيها، إذ كانت غلة ذلك مصروفة في عظم أمور أهل بيتهما، وما فضل من ذلك مصروف في تقوية الإسلام وأهله / فدفعه عمر إليهما على الإشاعة بينهما، والتساوي والاشتراك في النظر والأجرة.
          وأما مجيئهما إليه ثانياً فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يطلب كل منهما أن ينفرد بالعمل كله، أو بنصفه، وفرا من الإشاعة لما يقع بين العمال والخدم من التنازع، فأبى عمر أن تكون إلا على الإشاعة؛ لأنه لو أفرد أحداً منهما بالعمل والنظر لكان وجهاً من وجوه الإمرة، فتتناسخ القرون وهي بأيدي بعض قرابة الرسول دون بعض، فيستحقها الذي بيده، ولم ير أن يجعلها نصفين على غير الإشاعة؛ لأن سنة الأوقاف ألا تقسم بين أهلها، وإنما تقسم غلاتها فلذلك خاف أن علياً غلب العباس على هذه الصدقة ومنعه منها، ثم كانت بأيدي بني علي بعده يتداولونها.
          فرع:
          جميع ما يتركه الشارع من الأصول، وما جرى مجراها مما يمكن بقاء أصله، والانتفاع به، حكمه حكم الأوقاف تجري غلاتها على المساكين، والأصل باق على ملكه موقف فقوله: ((ما تركنا صدقة)) يعني: موقوفة.
          وأما قوله: ((فإن الله قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره)) يعني: المال، فخصه بإحلال الغنائم، ولم تحل لأحد قبله، وخصه بما أفاء الله عليه من غير قتال من أموال الكفار، تكون له دون سائر الناس.
          وخصه بنصيبه في الخمس، وهذا معنى ذكره هذا الحديث في الباب، وقال القاضي: فيه احتمالان: الأول: تحليل الغنيمة له ولأمته، الثاني: تخصيصه بالفيء إما كله أو بعضه.
          وهل في الفيء خمس أم لا؟ قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قبل الشافعي قال بالخمس فيه.
          وفيه: أنه لا بأس أن يمدح الرجل نفسه ويطريها إذا قال الحق، وذلك إذا ظن بأحد أنه يريد تنقصه.
          وفيه: جواز ادخار الرجل لنفسه وأهله قوت سنة، وأن ذلك كان فعله ◙ حين فتح الله عليه بني النضير وفدك وغيرهما، وهو خلاف قول الجهلة الصوفية المنكرين للادخار الزاعمين أن من ادخر لغد فقد أساء الظن بربه، ولم يتوكل عليه حق توكله.
          وفيه: إباحة اتخاذ العقار الذي يبتغى منها الفضل والمعاش وأصولها ثابتة كما ستعلمه في باب نفقته ◙ بعد وفاته.
          وفيه: كما قال الطبري: أن الصديق قضى على العباس وفاطمة بحديث: ((لا نورث)) ولم يحاكمهما في ذلك إلى أحد غيره فكذلك الواجب أن يكون للحكام والأئمة الحكم بعلومهم لأنفسهم كان أو لغيرهم.
          وقال الطبري وفي حديث علي: إن المسلمين كانوا في أول الإسلام يشربون الخمر ويسمعون الغناء، حتى نهى الله عن ذلك بقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة:90] الآية.
          قوله: ((رجع القهقرى)) قال الأخفش: يعني: رجع وراءه، ووجهه إليك.
          قوله: ((متع النهار)) بمثناة فوق قبلها ميم، وبعدها عين مهملة، قال صاحب ((العين)): متع النهار متوعاً وذلك قبل الزوال، وقال غيره: طال، وأمتع الشيء: طالت مدته، ومنه في الدعاء: أمتعني الله بك، وقيل: معناه: نفعني الله بك.
          قوله: ((تيدكم)) أي: على رسلكم وأمهلوا ولا تعجلوا وهي من التؤدة، وكان أصلها أتأدكم فكأنه أبدل التاء من الهمزة، وتيدكم بفتح التاء، وللأصيلي وأبي ذر بكسرها.
          قوله: ((أنشدكم الله)) أي: أسألكم به برفع نشيدتي؛ أي: صوتي، قال الداودي معناه: اجعلوا الله شهيداً بيني وبينكم أن تقولوا ما لا تعلمون.
          واحتج بعض أهل العلم بهذا الحديث كما قال الخطابي في إبطال أحكام السكران، وقالوا: لو لزم السكران ما يكون منه في حال سكره، كما يلزمه في حال صحوه لكان المخاطب رسول الله بما استقبله حمزة كافراً مباح / الدم.
          وقد ذهب على هذا القائل أن ذلك منه إنما كان قبل تحريم الخمر، وإنما حرمت بعد غزوة أحد، قال جابر: اصطبح ناس الخمر يوم أحد، ثم قتلوا آخر النهار شهداء، وأما وقت حرمت فشربها معصية، وما تولد منها، ورخص الله لا تلحق العاصين، وذهب الخطابي إلى أنه لما كان الخمر مباحة وقت شربها كان ما تولد منها بالسكر من الجفاء على رسول الله لا يلزم فيه عقوبة، فعذره ◙ لتحللها مع أنه كان شديد التوقير لعمه، وأما اليوم وقد حرمت فيلزم السكران حد الفرية وجميع الحدود؛ لأنه سبب زوال عقل من فعل محرم عليه.
          وأما ضمان إتلاف الناقتين فضمانهما لازم لحمزة لو طالبه علي به، ويمكن أن يعوضه ◙ منهما؛ إذ العلماء لا يختلفون أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين، ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء.
          قوله: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) جميع الرواة بالنون كما قال القرطبي، يعني: جماعة الأنبياء كما في الرواية الأخرى ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) وصدقة مرفوع على أنه خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا.
          والكلام جملتان الأولى: فعلية، والثانية: اسمية، وقد صحفه بعض الشيعة بالياء، و((صدقة)) بالنصب، وجعل الكلام جملة واحدة على أن يجعل ما مفعولاً لم يسم فاعله و((صدقة)) بالنصب على الحال، والمعنى: إن ما يترك صدقة لا يورث، وهذا مخالف لما وقع في سائر الروايات، ولما حمله الصحابة من قوله: ((فهو صدقة)) لأنهم يقولون: إنه ◙ يورث لغيره متمسكين بعموم الآية، وهذا الحديث في معنى قوله: ((إن الصدقة لا تحل لآل محمد)).
          هذه اللفظة رواها مالك عن عائشة، و(م) عن أبي بكر، و(ن) عن طلحة بن عبيد الله، وذكر القاضي أبو بكر بن الطيب أن أبا بكر وعمر وجماعة من الصحابة رووه مرفوعاً، وأن الصحابة وفاطمة وعلياً والعباس سلموه.
          وفي (خ) هنا أن عمر قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد: هل تعلمون أن رسول الله قال ذلك؟ قالوا: نعم، وكذلك قال العباس وعلي بعد هذا لعمر أيضاً وأن الشيعة طعنوا فيه، وقالوا: هو مردود بقوله: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء:11] قالوا: وقد طالبت فاطمة وعلي والعباس أبا بكر بالميراث، وحكي أن فرقة منهم تزعم أنه لا يورث، وقال: لم تطالب فاطمة به وإنما طالبت بأنه ◙ نحلها من غير علم أبي بكر، وأنكر باقي المسلمين هذا، وقالوا: ما ثبت نحل الشارع إياها، ولا أنها طالبت بذلك.
          وقال الجمهور منهم: لم يجعل الله لنبيه ملك رقاب ما غنمه، وإنما ملكه منافعه وجعل له إجراء قوته وعياله منه، وأوجب مثل ذلك على القائم بعده، وأجاب القاضي بأن الآية وإن كانت عامة فإنما توجب أن يورث ما تملكه ◙، فدل على أنه تملك، ولو سلمنا ملكه لم يكن لهم فيها دليل؛ لأنها ليست عندنا وعند من أنكر العموم؛ لاستغراق المالكين وكل من مات، وإنما يبني عن أقل الجمع، وما فوقه محتمل، فوجب الوقف عنه.
          وعند كثير من القائلين بالعموم أن هذا الخطاب وسائر العمومات لا يدخل فيها الشارع؛ لأن الشرع ورد بالتفرقة بينه وبين أمته، ولو ثبت العموم لوجب تخصيصها.
          قال: وما رووه من قدح علي وفاطمة والعباس في رواية أبي بكر معارض بما هو أقوى منه وأثبت وأصح عند أهل النقل مما رووه؛ لأن الروايات قد صحت من غير طريق أن فاطمة قالت لأبي بكر: أنت ما سمعت من رسول الله من غير قدح في روايته، قال: وما رواه الشيعة من قدح علي وفاطمة في رواية أبي بكر غير معروف / عند أهل النقل.
          انظر هذا ما رواه (خ): أن فاطمة هجرته حتى ماتت، وقال الداودي: كانت بشرية فربما أبهمت المصالح، قال: ولعل أبا بكر حمله عن غيره، ولم يسمعه من رسول الله، وعلمت هي ذلك فاتهمت الناقل بالسهو أو ما يعتري، قال: وروي أن الصديق كان يأتيها ويعتذر إليها، قال الخطابي: هذه القضية مشكلة جداً وذلك أن علياً وعباساً إذا كانا قد أخذا هذه القصة من عمر على هذه الشريطة، واعترفا بقوله: ((لا نورث)) فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما، والمعنى في ذلك أنهما طلبا القسمة فيها إذ كان يشق عليهما ألا يكون أحدهما ينفرد بما يعمل فيه مما يريده، فطلبا القسمة لذلك، فمنعهما عمر لئلا يجري عليهما اسم الملك؛ لأنها إنما تقع في الأملاك، وقال لهما: إن عجزتما فرداها علي.
          ومعنى ((أزيغ)): أميل عن الحق.
          قوله: ((تعروه)) تغشاه، وقال (خ) عند أبي ذر: ((اعتراك)) افتعل من عروته أصبته، ومنه يعروه واعتراني، وقال ابن فارس: يقال عراني هذا الأمر إذا غشيك، واعتراه: همه.
          قوله: ((فانطلقت حتى أدخل على مالك)) من قرأه بضم لام ((أدخل)) كانت ((حتى)) عاطفة، فمعنى الكلام: انطلقت فدخلت المدينة، ومن فتحها كانت ((حتى)) بمعنى ((كي)).
          قوله: ((على رمال سرير)) وفي (م): ((مفضياً إلى رماله)) بضم الراء وبكسرها أيضاً، وهو ما يمد على ظهر السرير من شريط ونحوه، وقال الداودي: هي السدد التي تعمل من الجريد.
          قوله: فقال: ((يا مال)) هو ترخيم يريد: يا مالك.
          قوله: ((قدم علينا من قومك أهل أبيات)) قال الداودي: أي: قوم معهم أهلهم، وجاء بدل ((قدم)) دف، وهو بفتح الدال المهملة.
          قوله: ((برضخ)) أي: بعطية وهي العطية القليلة غير المقدرة.
          قوله: ((لو أمرت به غيري)) تحرج من قبول الأمانة.
          قوله: ((اقتصد أيها المرء)) هو عزم عليه في قبضه، ((ويرفأ)) هو مولى عمر وحاجبه بفتح أوله، ومنهم من همزه، وفي ((البيهقي)): ((اليرفا)) بألف ولام.
          قال القاضي عياض: تأول قوم طلب فاطمة ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث إن كان بلغها على الأموال التي لها مال، فهو الذي لا يورث لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح، وهذا التأويل يرده قوله: مما أفاء الله عليه.
          وقوله: ((مما ترك من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة)) وقيل: إن طلبها لذلك قبل أن يبلغها الحديث، وكانت متمسكة بآية الوصية.
          وروى ابن شاهين في كتاب ((الخمس)) عن الشعبي: أن الصديق قال لفاطمة: يا بنت رسول الله، ما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة، فإن كان عندك من رسول الله عهد فأنت الصادقة المصدقة المأمونة على ما قلت، قال: فما قام حتى رضيت، ورضي.
          وفي حديث أسامة بن زيد الليثي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال أبو بكر لفاطمة: بأبي أنت وبأبي أبوك إنه قال ◙: ((لا نورث ما تركنا صدقة)) قال: فقالت: إني لست ممن أنكر.
          فصل:
          سبب عدم ميراث الأنبياء لئلا يظن بهم أنهم جمعوا الأموال لورثتهم كما حرمهم الله الصدقة الجارية على [أ]يديهم من الدنيا؛ لئلا ينسب إليهم ما يرثونه من الدنيا، أو لئلا يخشى على وارثهم أن يتمنى لهم الموت، فيقع في محذور عظيم(2).
          وأما صدقته بالمدينة فهي أموال بني النضير، وكانت قريبة من المدينة، وهي مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا / ركاب.
          قال القاضي عياض: والصدقات التي صارت إليه.
          أحدها: من وصية مخيريق يوم أحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير.
          ثانيها: ما أعطاه الأنصار من أرضهم، وهو ما يبلغه الماء، وكان هذا ملكاً له، ومنها حقه في الفيء من أموال بني النضير، كانت لهم خاصة حين أجلاهم، وكذا نصف أرض فدك، صالح أهلها بعد فتح خيبر على نصف أرضها فكان خالصاً له، وكذا ثلث وادي القرى الذي أخذه في الصلح حين صالح اليهود، وكذا حصنان من حصون خيبر: الوطيح والسلالم أحد صلحاً.
          ومنها سهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة، فكان هذا ملكاً له خاصة لا حق لأحد فيها، فكان يأخذ منها نفقته ونفقة أهله، ويصرف الباقي في مصالح [المسلمين].
          قال ◙: ((ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)) وكان ابن عيينة يقول: أمهات المؤمنين في معنى المعتدات؛ لأنهن لا يجوز لهن النكاح أبداً فجرت عليهن النفقة، وتركت حجرهن لهن يسكنها، وأراد بمؤنة العامل: من يلي بعده.
          قال أبو داود: وأما اختصام علي والعباس فيما جعل إليهما من صدقته بالمدينة، وهي أموال بني النضير فكانت في القسمة، وسألا عمر أن يقسمها نصفين بينهما يستبد كل واحد بولايته، فلم ير عمر أن يوقع القسمة على الصدقة، ولم يطلبا قسمتها ليتملكاها، وإنما طلباها؛ لأنه كان يشق على كل واحد منهما ألا يعمل عملاً في ذلك المال حتى يستأذن صاحبه.
          وعنده أيضاً كانت للنبي صلعم ثلاث صفايا: بنو النضير، وخيبر، وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه، وأما فدك فكانت حبساً لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله جزأين جزء للمسلمين، وجزء نفقة لأهله، فما فضل عن نفقه أهله جعله بين فقراء المهاجرين.
          قوله: ((هل لك في عثمان؟)) إلى آخره. أي: هل لك إذن لهم، وجاء أن العباس قال: هذا الكاذب، أي: لم ينصف، فحذف الجواب.
          قال المازري: وهذه اللفظة بين القائل والمقول فيه عنها، ووهم فيها بعض الرواة، وقد أزالها بعض الناس من كتابه تورعاً، وإن لم يكن الحمل فيها على الرواية فأجود ما يحمل عليه أن العباس قالها إدلالاً عليه؛ لأنه بمنزلة والده، ولعله أراد ردع علي عما يعتقد أنه مخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن قصد، وإن كان علي لا يراها موجبة لذلك في اعتقاده.
          وهذا كما يقول الشافعي: شارب النبيذ ناقص الدين والحنفي يمنع ذلك، ولابد من هذا التأويل؛ لأن هذه القضية جرت بحضرة عمر والصحابة، ولم ينكر أحد منهم هذا الكلام مع تشددهم في إنكار المنكر، وما ذاك إلا لأنهم فهموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقده.
          قال القرطبي: لما ولي علي لم يغير هذه الصدقة عما كانت في أيام الشيخين، ثم كانت بعده بيد حسن، ثم حسين، ثم علي بن حسين، ثم بيد الحسن بن الحسن، ثم بيد زيد بن حسن كما ذكره (خ) في باب حديث بني النضير، ثم بيد بن حسن، ثم وليها بنو العباس على ما ذكره البرقاني في ((صحيحه))، ولم يرو عن أحد من هؤلاء أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه.
          فلو كان ما يقول الشيعة / حقاً لأخذها وأخذ من أهل بيته لما ولوها، وذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وداود وإسحاق والنسائي، وعامة أصحاب الحديث والفقه إلى التفريق بين مصرف الفيء والخمس، فقالوا الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى بهم إلى غيرهم، ولهم مع ذلك في توخيه قسمه عليهم بعد وفاة رسول الله خلاف، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى الإمام بحسب المصلحة والاجتهاد.
          قال والدي ⌂:
          ((باب الطعام عند القدوم)) ويسمى النقيعة بالنون و((يفطر)) من الإفطار لا من التفطير و((يغشاه)) أي يقدم عليه وينزل الدية.
          قوله: ((محمد)) أي: ابن سلام و((معاذ)) بضم الميم وبالمهملة ثم المعجمة ابن معاذ التميمي البصري و((صرار)) بكسر المهملة وخفة الراء الأولى موضع قريب بالمدينة على نحو ثلاثة أميال.
          قوله: ((شارف)) أي: المسنة من النوق و((بنو قينقاع)) بفتح القافين وضم النون وفتحها وكسرها منصرفاً وغير منصرف قبيلة من اليهود و((الغرائر)) جمع الغرارة بفتح المعجمة وبالراء المكررة ظرف التبن ونحوه، الجوهري أظنه معرباً.
          قوله: ((مناخان)) باعتبار لفظ الشارف ومناختان باعتبار معناه و((لم أملك عيني)) أي: بكيت وإنما كان بكاؤه خوفاً من توهم تقصيره في حق فاطمة أو في تأخر الابتناء بسبب ما فات منه ما يستعان به لا لأجل فواتهما لأن متاع الدنيا قليل لا سيما عند أمثاله و((شرب)) جمع الشارب و((أدخل)) بالرفع والنصب و((ثمل)) بفتح المثلثة وكسر الميم أي سكر و((صعد)) أي: حمزة النظر إلى ركبة رسول الله.
          و((عبيد)) أي كعبيد، وغرضه أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وأنه أقرب إليه منهما مر الحديث في كتاب الشرب في باب لا حمى إلا لله.
          قوله: ((ما ترك)) بيان أو بدل لميراثها و((لا نورث)) بفتح الراء والمعنى على الكسر صحيح وقيل: الحكمة فيه أنه لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك أو حتى لا يظن بهم الرغبة في الدنيا لوراثهم فينفر الناس عنهم أو هو لأنهم كالآباء للأمة فمالهم لكل أولادهم وهو معنى الصدقة وأما غضب فاطمة فهو حصل على مقتضى البشرية وسكن بعد ذلك أو أن الحديث كان مؤولاً عندها بما فضل عن معاش الورثة وضروراتهم ونحوها، وأما هجرانها فمعناه انقباضها عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه ولفظ مهاجرته بصيغة الفاعل لا المصدر.
          قوله: ((قالت)) أي: عائشة، وفي بعضها قال أي عروة فحينئذ يكون مرسلاً لأنه لم يلق فاطمة.
          قوله: ((فدك)) بالفاء والمهملة المفتوحتين منصرفاً وغير منصرف بينها وبين مدينة رسول الله مرحلتان وقيل ثلاثة، قوله: ((صدقته)) أي: أملاكه التي بالمدينة التي صارت بعده صلعم صدقة.
          قوله: ((فدفعها عمر)) إليهما ليتصرفا فيها وينتفعا منها بقدر حقهما كما تصرف رسول الله لا على جهة تمليكه لهما و((تعروه)) أي: تنزله و((النوائب)) جمع النائبة أي: الحادثة التي تصيبه و((اعتراك)) أي: المذكور في قوله تعالى: {اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ} [هود:54].
          قوله: ((إسحاق بن محمد الفروي)) بفتح الفاء وسكون الراء وبالواو قال الغساني وفي بعض النسخ / محمد بن إسحاق وهو خطأ.
          قوله: ((مالك بن أوس)) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالمهملة ((ابن الحدثان)) بالمهملتين المفتوحتين وبالمثلثة الصحابي على خلاف فيه و((محمد بن جبير)) مصغر الجبر ضد الكسر ابن مطعم وهذا هو كلام الزهري.
          قوله: ((متع)) بفتح الفوقانية الخفيفة وبالمهملة ارتفع وطال ارتفاعه و((أجب)) أي دعاءه يعني يطلبك فقم إليه و((الرمال)) بضم الراء وكسرها ما ينسج من سعف النخل ليضطجع عليه و((يا مال)) بضم اللام وكسرها على الوجهين في الترخيم و((الرضخ)) بسكون المعجمة الأولى العطاء القليل.
          قوله: ((يرفأ)) بفتح التحتانية وسكون الراء وفتح الفاء مهموزاً وغير مهموز وهو الأشهر وقد تدخل عليه الألف واللام فيقال اليرفا وهو علم حاجب عمر و((هل لك)) أي: رغبة في دخولهم.
          قوله: ((أرح)) من الإراحة بالراء والمهملة و((تيدكم)) بفتح الفوقانية وكسرها وسكون التحتانية وفتح المهملة وضمها اسم فعل كرويد أي: اصبروا وأمهلوا وعلى رسلكم وقيل: إنه مصدر تاد يتيد كما يقال: سيروا سيركم أي: تيدوا تيدكم.
          قوله ((أنشدكم)) بضم الشين أي أسألكم بالله يقال نشدتك الله وبالله ولم يعطه أحداً غيره حيث خصص الفيء كله كما هو مذهب الجمهور أو جله كما هو مذهب الشافعية يا رسول الله وقيل: أي حيث حلل له الغنيمة ولم تحل لسائر الأنبياء.
          قوله: ((احتازها)) بالمهملة والزاي جمعها ((استأثر)) أي استبد وتفرد فإن قلت و((ينفق على أهله)) كيف يجمع مع ما ثبت أن درعه حين وفاته كانت مرهونة على الشعير واستدانة لأهله قلت كان يعزل مقدار نفقتهم منه ينفق ذلك أيضاً في وجوه الخير قبل انقضاء السنة عليهم.
          قوله: ((فجعل مال الله)) بأن يجعله في السلاح والكراع ومصالح المسلمين و((بدا لي)) أي: ظهر وسنح لي.
          فإن قلت: إن كان الدفع إليهما صواباً فلم لم يدفعه في أول الحال وإلا فلم دفعه في الآخر قلت: أولاً منعه على الوجه الذي كانا يطلبانه من التملك وثانياً أعطاهما على وجه التصرف فيها كما تصرف رسول الله وصاحباه.
          الخطابي: هذه القضية مشكلة جداً وذلك أنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة التي شرطها عليهم وقد اعترفا بأنه قد قال صلعم ما تركنا صدقة. وقد شهد المهاجرون بذلك فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما، والمعنى في ذلك أنه كان يشق عليهما الشركة فطلبا أن يقسم بينهما بأن يستبد كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر القسم لئلا يجري عليهما اسم الملك لأن القسمة إنما تقع في الأملاك وبتطاول الزمان يظن به الملكية.
          قال أبو داود: ولهذا لما صارت الخلافة إلى علي لم يغيرها كونها صدقة، يحكى أن السفاح لما خطب أول خطبة قام بها قام رجل من آل علي معلق في عنقه المصحف فقال: أناشدك الله إلا حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف فقال: من خصمك؟ قال: أبو بكر في منعه فدك فاطمة، قال: أظلمك؟ قال: نعم، قال فعمر؟ قال: نعم، قال فعثمان قال نعم، قال فعلي فسكت الرجل فأغلظ له الخليفة في القول.
          الزركشي:
          ((صرارًا)) بكسر الصاد، بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة / من طريق العراق.
          وحديث علي في عقر الشارفين سبق في البيوع، الشرب: بفتح الشين وسكون الراء، الجماعة يشربون الخمر.
          ((حتى أدخل)) الرفع جائز والفتح هو الراجح، قاله ابن مالك.
          ((لا نورث ما تركنا صدقة)) ما بمعنى الذي مبتدأ وتركنا صلة له، والعائد محذوف، أي: تركناه، وصدقة مرفوع لا غير خبر الذي، هذا هو الأجود، ولموافقته لرواية فهو صدقة ذهب النحاس إلى أنه يصح نصبه على الحال، واستنكره القاضي؛ لتأييده مذهب الشيعة، لكن ابن مالك قدر: ما تركنا مبذول صدقة، فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض عنه، ونظيره قراءة بعضهم: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: ٨]
          ((فهجرت أبا بكر ولم تزل مهاجرته حتى توفيت)) هذا اللفظ يرد ما حكاه الترمذي عن شيخه عن أبي عيسى أنها لم تكلمه في هذا الميراث خاصة.
          ((وفدك)) بفتحتين: اسم قرية بخيبر، بالصرف وعدمه.
          ((وصدقته)) بالنصب وبالجر.
          ((تعروه)) تنزل به وتصيبه.
          ((متع النهار)) بفتح المثناة: اشتد حره وارتفع، ومنه في الدعاء: أمتعني الله بك.
          ((هل لك)) فيه حذف، أي: تأذن.
          ((تيدكم)) يريد: على رسلكم، كأنه مصدر تاد يتيد، وأصله: اتأد يتيد، فترك همزه، والأصل في هذا الفعل: إتأد يتئد، على وزن افتعل، من التؤدة وهي السكون، وهو نصب على المصدر، ومعناه: اسكنوا، والتقدير: تيدوا تيدكم، كما يقال: سيروا سيركم.
          وقال القاضي ((تيدكم)): بفتح التاء للقابسي، وعن الأصيلي: ((تئدكم)) بكسرها وهمز الياء، وقال: كذا لأبي زيد، قال أبو زيد وهي كلمة لهم، وعند بعض الرواة تيدكم: برفع الدال، وعند أبي ذر تئدكم، وسقطت اللفظة من رواية الجرجاني قال لنا الأستاذ أبو القاسم النحوي: صوابه تيدكم اسم الفعل من اتأد، وحكاه عن أبي علي الفارسي، قال أبو علي وأراه من التؤدة، وقد حكى سيبويه عن بعض العرب: بيس فلان، بفتح الباء، قال القاضي فالياء في تيدكم مسهلة من همزة مبدلة من واو؛ لأنه في وأدة انتهى.
          ((ما احتازها)) يقال: حاز الشيء واحتازه جمعه.
          ((أنشدكم الله)) أي: بالله، وفيه توكيل الرجلين، وأن أحدهما لا ينفرد بعمل دون الآخر وقد زاد البراقاني في روايته من طريق معمر قال فغلب علي عليها فكانت بيد علي ثم بيد حسن بن علي ثم كانت بيد حسين بن علي ثم كانت بيد علي بن الحسين، ثم كانت بيد الحسن بن الحسين ثم كانت بيد زيد بن الحسين قال معمر: ثم بيد عبد الله بن الحسين ثم وليها بنو العباس.
          ((حديث وفد عبد القيس)) سبق مرارًا في الإيمان وغيره، إلا أنه ترجم عليه هنا أداء الخمس من الدين وفي كتاب الإيمان الأداء الخمس من الإيمان وفائدة الجمع بين الترجمتين أنا إن قدرنا الإيمان قول وعمل دخل أداء الخمس في الإيمان، وإن قلنا: إنه التصديق بالله ╡ دخل أداؤه في الدين. انتهى كلام الزركشي.
          أقول: قلنا خطر فائدة أذكرها وهو أن اليهود كفروا وخالفوا ما أمروا به بزيادة حرف فإنه قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة والنصارى كفرت بنقصان حرف فإن الله أوحى إلى عيسى ◙ أني ولدتك من عذراء يقول فحذفت النصارى التشديد من الدال وقالوا ولديك وادعوا أن عيسى بن الله.
          والرافضة أخطأت وخالفت الصحابة ومن بعدهم وكذبت فيما زعمت وذلك بتغيير إعراب صدقة في قوله: (ما تركنا صدقة) وقالت ما نافية وصدقة منصوب فيكون معناه ما تركنا صدقة بل إرثاً وهذا فاسد من وجهين:
          أحدهما: أن الرواية الصحيحة الرفع وما موصولة، والثاني: أن آخر الحديث يكون منافياً لأوله وذلك أنه قال: لا نورث وعلى زعمهم قال في آخره ما تركنا صدقة فيكون معناه لا يورث والذي تركناه لا يكون صدقة بل نورث / فكأنه قال: لا نورث نورث هذا خلف.
          وأيضاً هم يجادلون على إثبات الخلافة لعلي وبهذا لا يحصل مقصودهم ولو صح ما زعموه من رواية صدقة فإن توريثه المال لا يوجب توريثه الخلافة فما قالوه فاسد من وجوه فتأمله.


[1] في هامش المخطوط: أقول: فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الخمس برسول الله دون الربع أو السدس أو غير ذلك قلت لأن الجيش خمسة أقسام فجعل سهمه ◙ سهم قسم واحد هذا ما خطر في خاطري والله أعلم بحقيقة ذلك ولعل قيل غير ذلك ولم أطلع عليه.
[2] في هامش المخطوط: أقول: أو أن الأنبياء أحياء في قبورهم وبهذا لا يجوز نكاح نسائهم.